محمد عصام
كعادته، أصر الناطق الرسمي للحكومة في الندوة الصحفية بعد اجتماع الحكومة اليوم، على طحن “اللامعنى” وتدويره والهروب من الأسئلة الحقيقية التي ينتظر المواطنون أجوبة الحكومة عنها.
فقد سُئل الناطق الرسمي عن جواب الحكومة بخصوص الهدية التي تلقاها رئيس الحكومة من طرف المجموعة النيابية للعدالة والتنمية في الجلسة الشهرية لرئيس الحكومة المتعلقة بالسياسة العامة بمجلس النواب يوم الإثنين الماضي، حيث تم تزويدة بالوثائق التي تفند إدعاءاته وأباطيله المتكررة وأكاذيب بعض وزرائه والمتعلقة بكون هذه الحكومة لم تجد أي قانون أو مرسوم خاص بالحماية الاجتماعية، وأنها انطلقت من الصفر، وعوض أن يجيب الناطق الرسمي باسم الحكومة على السؤال، حاول كعادته الهروب إلى الإمام وقال بأن السؤال الذي كان يجب أن يطرح هو كم وجدت الحكومة من مغاربة لا يستفيدون من أي نوع من الحماية الاجتماعية وكيف وصل عدد المستفيدين في عهد هذه الحكومة إلى الملايين؟
وتعليقا على جواب المسؤول الحكومي، نعيد ونكرر أن وظيفة الناطق الرسمي والندوة الصحفية التي تعقب اجتماع رئيس الحكومة، هي “البيان والتبيين” وتوضيح وجهة نظر الحكومة بخصوص القضايا المطروحة، ورفع كل لبس أو سوء فهم أو حتى تحامل قد يتسرب من خلال الإبقاء على مناطق رمادية في خطاب وتواصل الحكومة.
المسألة الثانية فتتعلق بكون ما قامت به المجموعة النيابية للعدالة والتنمية، يعتبر حدثا سياسيا هاما بل ربما هو الأهم في هذا الأسبوع، وتتجلى أهميته في حرص المجموعة على الشفافية وربط الادعاء بالحجج والأدلة، وهو مستوى عال في تحمل المسؤولية والحرص على تنقية العمل السياسي من المزايدات الفارغة وجعله شفافا وعقلانيا، وكان من المفترض في الحكومة مباشرة بعد الجلسة أو في اليومين التاليين لها أن تهرع إلى التواصل وتدافع عن نفسها إن كانت لها حجج تستطيع بها مجابهة ما قدمته المجموعة النيابية، وإلا فما كان عليها إلا أن تعترف عبر ناطقها الرسمي أو رئيس الحكومة نفسه بأنها أخطأت في ما كانت تدعيه وتقدم اعتذارها للجهة التي جنت عليها بادعاءاتها الباطلة وغير المؤسسة.
لكن الذي يبدو أن الحكومة وعبر ناطقها الرسمي، مصرة على ” الإثم” الذي وقعت فيه، وغير قادرة لا على المواجهة ولا على الاعتذار، وهذا لعمري هو المكابرة بعينها أو قل على حد تعبير المغاربة “المكابرة حالة عينيها”.
لكن السؤال هو لماذا هذه المكابرة ولماذا هذا الإصرار؟
إن في جينات هذه الحكومة ومنذ ولادتها، نزوعا نحو الاستقواء وعدم الاكتراث بالآخر خصوصا إذا كان معارضا، وهذا النزوع ناتج عن وهم كبير يؤمن به رئيس الحكومة ومن معه، ويتعلق بكون الأمر قد استتب لهم ولمن والاهم إلى ما لا نهاية، و”أنهم قطعوا الواد وانشفوا رجليهم”، الأمر الذي أورثهم طمأنينة زائفة، إن لم نقل غرورا وزهوا بالذات من جهة واحتقارا وازدراء بالمخالفين.
وهو في ذلك يراهنون أولا على عامل الزمن فكل انتقاد في نظرهم ولو كان في محله، فإن معامل الزمن سينسيه ويغيبه في غيابات النسيان، وبالتالي ليس ضروريا الانشغال به أو القيام بما يلزم لمواجهته بالحجة والبيان.
ثانيا، فهم يستقوون على المخالفين بالأذرع الإعلامية التي تم استقطابها أو صناعتها على ” عينهم”، أو تم “تأليف جيوبها وبطونها” لتوجيه الرأي العام إلى قضايا أخرى، أو شيطنة المخالفين والتقليل من قيمة ما يتم طرحه من قضايا أساسية تهم المواطنين.
والأهم من هذا وذاك، أن الرأسمال حينما يلج السياسة، يعتقد أصحابه بأنه لوحده كاف لاستدامة التحكم والسيطرة، هم بذلك يستقوون بنفوذهم المادي، ويعتبرون أن كل شيء قابل لبيع والشراء وخاضع لمنطق السوق، وأنه يمكن تطويع السياسة لهذا المنطق وترويضها به.
وكخلاصة فإننا لا ننتظر أشياء كثيرة من هذه الحكومة فقد ألفنا منها مثل هذه المكابرة واختيارها سياسة “وكم حاجة قضياناها بتركها”.
وبالمناسبة الناطق الرسمي باسم الحكومة لم يجب عن سؤال حول انسحاب ترانسبرانسي المغرب من اللجنة الوطنية لمحاربة الفساد، بسبب امتناع رئيس الحكومة عن الدعوة لانعقاد اللجنة منذ توليته المنصب، واختار كعادته لغة الخشب وتدوير “الكلام/ الفراغ”، فعوض أن يجيب عن السبب الذي جعل المنظمة تنسحب، أي لماذا لم يعقد رئيس الحكومة أي اجتماع للجنة؟، سارع إلى جرد إجراءات لم يسأل عنها وختم قوله باللازمة المعتادة، أن الموضوع يحتاج إلى تظافر الجهود عوض التراشق والشيطنة.. وهو بذلك يقول بلسان حاله “يكاد المريب يقول خذوني” .