يوسف غربي
نبهني مقال للدكتور بلال التليدي إلى استراتجية ترامب في تليين مواقف الدول، وذلك حين قارب دعوة ترامب لمصر والأردن لاستقبال موجات التهجير لأهل غزة. فقد عمد إلى مكر السياسة فمنح الأردن أجلا لم يمنحه لمصر ليفكك ارتباط الموقف بينهما. ثم نظرت إلى إسهال إعلاناته المستفزة للدول فخلصت إلى أن الرجل يستعمل تكتيك المزايدة ليدفع الخصم لرد الفعل المماثل ثم يجره إلى منتصف موقفه أو ربعه. ولك أن تقرأ ذلك في موقفه مع المكسيك فقد رفع مطالبه بطريقة صادمة جعلت رئيسة المكسيك ترد بحرمان الاقتصاد الأمريكي من سوق استهلاكية واسعة، وعاد ترامب ليلطف موقفه مبقيا على اشتراطات تتعلق بنشر جنود ميكسيكيين لحراسة الحدود ومنع الهجرة غير الشرعية وتدفق المخدرات الصلبة الخطيرة. مع التواعد على لقاء بينه وبين رئيسة المكسيك.
إذا تأملنا باقي اعلاناته سنجد أن سقفها مغال في الارتفاع لدرجة فيها مساس صريح بسيادة دول على مجالها الترابي وأمنها الاقتصادي ولذلك فإن هذه الدول ترد بشراسة كما فعلت كندا حين وعدت بفرض رسوم جمركية مماثلة.
يعلن ترامب في نوباته التصعيدية أن الولايات المتحدة ستتولى بنفسها عملية إعمار غزة (لوجه الله)!!!!!! ،
لا أجد وصفا ملائما لهذه الجذبة الترمبية أدق من المثال العامي المغربي (حنان الدجاجة بلا بزازل). تتأكد إذن التسريبات المتحدثة عن اكتشافات الغاز بوفرة في بحر غزة، وخطط “اسرائيل” القديمة الثابتة في التمدد في الضفة والقطاع. فيلقي ترامب ببالونات اختبار عديدة لمصر والأردن و يستثمر باحتيال في الوضع الإجتماعي المأزوم للغزيين لتليين موقفهم المجمع على الانغراس في الأرض مهما كان الثمن. عنوان السياسة الترمبية تصعيد و تصعيد ثم ترغيب مخادع: “كوي او بخ”.
لا شك أن تكتيك الصعقات السياسية تحدث ردود أفعال عند الدول فيها مزيج من الخوف والتوجس لكنها تستثير أيضا نزوعات الغضب والمقاومة، والتمسك بقيم العدل الكونية البديهية. لكن دعونا من السلوك السياسي المباشر القائم على التكتيك ولننبش في الخلفية التصورية المنتجة له لنفهم آليات التحليل الترمبي. يستطيع المتتبع لتصريحات الرجل ولبرنامجه الانتخابي ان ينتزع دون عناء محددات هذه الرؤية كما صاغها استراتجيو ترامب. يبسطها الأستاذ حسن أوريد في كتابه عالم بلا معالم في مبدأين :-الواقعية المبدئية ثم أمريكا أولا.
لجلب أقصى المنافع لدولته يستعمل ترامب تقنية الزوبعة بقذف فكرة وسط وضع مأزوم، ومن خصائصها أن تتميز بصفة التطرف كالقول بتهجير الفلسطينيين إلى دول عربية، فينشأ عن ذلك فزع لدى كافة الأطراف من كان مواليا أو مخالفا لأمريكا. فمن جهة يعمد إلى الحلقة القوية في المقاومة وهي الحاضنة الإجتماعية ليفككها عن مقطورة المقاومة بمتاجرة واضحة بآلامها الفادحة. ومن جهة يمعن في بطح الأنظمة المطبعة لتصير مناديل ورقية جاهزة للمسح في كل وقت وحين. و يعدد المسارات بحثا عن ثغرة لمرور الفكرة الصادمة:”التهجير”.
ذات الأسلوب ينتهجه الرئيس الأمريكي مع الدول الغربية، يقذف بمستحيلاته، (كندا الولاية 51) ( كرينلاند أرض امريكية) (المكسيك و إغلاق الحدود وطرد المهاجرين) (قناة بنما أمريكية) إنه الخلق المتعمد للفوضى لكسب ما يمكن تحصيله من ضغط يكاد يكون سورياليا.
صار أكيدا أن صعقات ترامب تتغيى خلق استجابات جديدة من شأنها تغيير الوضع العالمي و جلب مكاسب اقتصادية كبيرة لأمريكا لكن هل ستجري رياح الزوابع بما يشتهيه ترامب أم أن أغلبها لن يعدو أن يكون زوبعة في فنجان؟؟؟