أحمد نور الدين يكتب: على وزارة الخارجية أن تمسك الثور من قرونه..

أحمد نورالدين، خبير العلاقات الدولية


فوز مرشح دجيبوتي السيد محمود علي يوسف برئاسة المفوضية الإفريقية يعتبر فوزا للمغرب الذي دعم ترشيحه بقدرما هو فوز لبلده، وهو في نفس الوقت هزيمة للجزائر وجنوب إفريقيا اللذين كانا يدعمان مرشح كينيا السيد أودينغا. ومعلوم أن كلا البلدين يناهض الوحدة الترابية للمملكة وحقوقها الشرعية والتاريخية، وينتصر للمشروع الاستعماري الأوربي الذي سعى إلى تمزيق أوصال المغرب وتقسيم أراضيه وفصله عن صحرائه.

ولا شك أن أكبر فائز في هذه الانتخابات هو الاتحاد الإفريقي ذاته، لأنه بحاجة إلى المواصفات التي يتوفر عليها رئيس المفوضية الجديد، وإلى تجربته الافريقية ودرايته بالملفات المعروضة على طاولتة. فالسيد محمود علي يوسف يجر وراءه تجربة دبلوماسية كبيرة تحمّل خلالها حقيبة الشؤون الخارجية في بلده منذ 2005 وخبر فيها أركان وكواليس المنظمة الافريقية.
وفي يوليو 2024، ترأس خلوة الوسطاء تحضيراً للمفاوضات حول الأزمة السودانية. وقد ضمت تلك الخلوة ممثلين عن مجموعة دول شرق إفريقيا للتنمية (إيغاد)، والاتحاد الأفريقي، والأمم المتحدة، والاتحاد الأوروبي، بالإضافة إلى العديد من الدول من جميع
أنحاء العالم.
وقد أدار السيد محمود علي يوسف الوساطة في هذا الملف بنجاح واحترافية مما ساعده على توطيد رصيده الدبلوماسي لدى الأفارقة والاوروبيين والأمم المتحدة كمفاوض بارع ووسيط محايد يحظى بالمصداقية والاحترام، وخبير بالنزاعات الافريقية، ودبلوماسي متمرس.

لقد كان بالإمكان أن نعتبر ما جرى في القمة 38 للمنظمة الافريقية انتصارا كبيرا للدبلوماسية المغربية ايضاً لولا أن فشل السيدة لطيفة أخرباش في انتزاع منصب نائبة رئيس المفوضية، أمام منافستها الجزائرية سلمى حدادي، جعل من فوز مرشح دجيبوتي انتصارا بطعم الهزيمة بالنسبة للمغرب.

وعلينا أن ننتبه إلى أن تعزيز موقع المغرب داخل الاتحاد الإفريقي يتوقف بالأساس على قوة استراتيجيتنا الدبلوماسية ونجاعتها، وعلى دينامية حكومتنا ودبلوماسيينا، وعلى امتلاكنا لتصور وآليات وكفاءات قادرة على تحقيق الأهداف الاستراتيجية للمملكة، أمّا وصول بلد حليف إلى رئاسة المفوضية، أو إلى أي موقع آخر داخل المنظمة الافريقية وفي أي منظمة دولية، إنما هو مجرد عامل مساعد فقط ولا يقوم أبداَ مقام الدبلوماسية المغربية. فما حك جلدك مثل ظفرك، كما يقول المثل.

أمّا في التفاصيل، فحين تحتل الجزائر منصباً مرموقاً ولو من الدرجة الثانية، فأكيد أنه سيشكل مصدر تشويش للمغرب، فالبرنامج الوحيد الذي تملكه الجزائر داخل إفريقيا، وحسب التجارب الفعلية السابقة، ليس هو حل النزاعات المسلحة او الدفع ببرامج التنمية داخل القارة، أو تحقيق منطقة التبادل التجاري الحر، بل هو معاكسة مصالح المغرب والسعي إلى هدم وحدة أراضيه بأي ثمن.

لذلك وجب إبقاء الدبلوماسية الجزائرية تحت المراقبة المستمرة لفضح تحركاتها داخل المنظمة الافريقية وإبطال مفعول سحرها الأسود الموجه ضد المغرب.

بقي أن ننبه إلى أن فوز المرشحة الجزائرية على المرشحة المغربية ليس بالمسألة العٓرٓضية، بل هو مؤشر مهم، لذلك على من يعنيهم الأمر القيام بمراجعة الحسابات الدبلوماسية للمغرب، وتحليل دقيق لهذه النتيجة من طرف وزارة الخارجية والهيئات السياسية والأجهزة الأخرى المعنية بالموضوع، لاستخلاص الدروس والعبر وتفادي المطبات في المستقبل.

فالمعركة الحقيقية للدبلوماسية المغربية داخل الاتحاد الافريقي والتي طال انتظارها منذ ثماني سنوات، هي معركة طرد جمهورية تندوف الوهمية من المنظمة الافريقية. وكم أتأسف وأتعجب في آن واحد، حين أستمع إلى مسؤول حكومي أو دبلوماسي محنّك وهو يُسوّق عدم إدراج ملف الصحراء في أجندة الاتحاد الإفريقي على أنه انتصار للمغرب! وكيف يمكن أن نتحدث عن انتصار للدبلوماسية المغربية على المستوى القاري، والكيان الوهمي يحتل مقعد العضوية داخل الاتحاد الافريقي باسم جزء من التراب المغربي؟!

فالمنطق السياسي والدبلوماسي والقانوني والوطني يفرض على المغرب أن يكون حريصاً على طرح ملف العضوية غير الشرعية “للكيان الوهمي”، أمام الهيئات التقريرية في الاتحاد الإفريقي وفقاً لخطة محكمة طبعا، وبناء على حجج دامغة، لا أن يكون ممثلو المغرب من المهللين الفرحين بتجاهل الصحراء المغربية وعدم التداول فيها. فهذا وضع مريح يخدم الأهداف الخبيثة للجزائر التي تريد إبقاء “statuquo”، بهدف تكتيكي يتمثل في استمرار سيطرة العسكر على السلطة في الجزائر وتوجيه الرأي العام الداخلي نحو عدو خارجي، وتبرير اختلاس وتبديد مليارات الدولارات. بالإضافة إلى هدف استراتيجي يتجلى في الحيلولة دون استرجاع المغرب لأراضيه المقتطعة في حدوده الحقة كما ينص على ذلك دستور المملكة، وفي نفس الوقت إعاقة الإقلاع الاقتصادي والتكنولوجي للمغرب الذي تعتبره الجزائر عدوها الاستراتيجي.

وإذا كان هدف الجزائر واضحا في الإبقاء على وضعية الجمود ووضع حجرة في حذاء المغرب، فإنني أتساءل للمرة الألف عن السبب الذي يجعل الخارجية المغربية لم تٓشْرٓع بعدُ في مساطر طرد جمهورية ابن بطوش من الاتحاد الإفريقي إلى اليوم، رغم انّ جمهورية تندوف لا تتوفر على الشروط القانونية لعضوية الاتحاد الإفريقي، كما أنّ عضويتها تتنافى تماما مع ميثاق الوحدة الافريقية سابقا ومع ميثاق الاتحاد الإفريقي حاليا.

ولنكن واضحين مع أنفسنا قبل غيرنا، طرد جمهورية تندوف الوهمية هي المعركة الحقيقية للدبلوماسية المغربية بل هي أم المعارك على المستوى القاري، ودون كسبها لا يمكن أن نتحدث عن انتصارات دبلوماسية في المنظمة الافريقية؛ تماما كما لا يمكننا أن نتحدث عن انتصارات في الأمم المتحدة مادام ملف الصحراء المغربية مُتداولا في اللجنة الرابعة.

هذا هو الامتحان الحقيقي لنجاعة الدبلوماسية المغربية وفعاليتها، وهذا هو المعيار الحقيقي الذي يقيس نجاح أو إخفاق العمل الدبلوماسي المغربي. ومن يقول غير ذلك فهو يخادع نفسه قبل أن يخادع المغاربة، لذلك على وزارة الخارجية أن تمسك الثور من قرونه، لا أن تتفادى مواجهته..

شاهد أيضا
شارك برأيك

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.