حذّر من جهات تريد إدامة الصراع… الخلفي: نزاع الصحراء مشروع تقسيم للمنطقة والتحكم في قدراتها ومواردها

أكد مصطفى الخلفي، الوزير السابق للعلاقات مع البرلمان والمجتمع المدني، وعضو الأمانة العامة لحزب العدالة والتنمية، أن قضية الصحراء ليست مجرد نزاع إقليمي، بل مشروع تقسيمٍ يستهدف كل دول المنطقة وليس فقط المغرب، من أجل التحكم في قراراتها وقدراتها واستنزاف مواردها.
وأضاف الخلفي في مداخلة له خلال ندوة حول “قضية الصحراء المغربية على ضوء التحولات الدبلوماسية والجيوسياسية“، من تنظيم “منظمة التجديد الطلابي”، الأربعاء 26 فبراير 2025 بالرباط، أن هذا الأمر يفرض الوعي أكثر بتاريخ القضية واستراتيجيات تدبيرها، وعدم التعويل على الحلول المستوردة، لأنها في جوهرها تهدف إلى إدامة النزاع لا حلّه.
وأوضح أن قضية الصحراء في عمقها هي قضية تجزئة وتقسيم تستهدف بلادنا ضمن رؤية استعمارية كانت في الماضي، لكنها جددت من صيغها بحسب التطور المعاصر للعالم والسياسة الدولية، لتكون أداة وآلية من آليات التدخل والتحكم وانتقاص استقلال القرار السياسي لدول المنطقة واستنزاف قدراتها ومواردها.
واعتبر المتحدث ذاته أن مشروع التقسيم بحمولته يعود إلى ما يزيد عن خمسة قرون، عندما أصدرت الكنيسة البابوية الكاثوليكية مرسوما يفصل في النزاع بين قشتالة (إسبانيا لاحقًا) وبين البرتغال حول استعمار الصحراء المغربية في منتصف القرن الـ15 ميلادي، حيث وضع آنذاك خط بوجدور على أساس أن البرتغال في الجنوب وإسبانيا في الشمال بمرسوم بابوي، وتجدَّد النقاش حول ذلك في محكمة العدل الدولية، حيث دافعت إسبانيا عن وجودها في الصحراء باعتباره قائماً على أساس حق كنسي.
وأورد الخلفي أن مشروع التقسيم الذي تجدَّد طرحه في أكتوبر الماضي، عندما أطلق المبعوث الشخصي للأمين العام للأمم المتحدة “بالون اختبار” بقوله إن من الأفكار المطروحة تقسيم الصحراء، لم يكن سوى محاولة للضغط على بلادنا من أجل التنازل. حيث طُرح التقسيم سنة 2002، وكان خطاب الملك من العيون في مارس 2002 خطابًا تاريخيًا، إذ قال بوضوح: “لا للتقسيم”.
ولفت الوزير السابق إلى أن البعض حاول استغلال اتفاق مدريد الثلاثي في نونبر 1975 للقول إن المغرب قبل بالتقسيم، ولكن الحقيقة أن الاتفاق كان جزءًا من استراتيجية الاسترجاع التدريجي، ولم يكن في إطار تأسيس دويلة انفصالية في الصحراء، كما أن موضوع التقسيم طُرح مجددًا في المحادثات السرية بين المغرب والجزائر سنة 1978، ونُشرت بعض محاضرها في كتاب وزير الخارجية آنذاك، محمد إبراهيم.
وذكر الخلفي أن الجزائر عملت على مشروع التقسيم في 1979، وكانت النتيجة اتفاق 5 غشت 1979، الذي علم به المغرب مبكرًا وفي ظرفية عسكرية صعبة، وقام بإفشاله وحسمه عسكريا، مضيفا أنه في سنة 2001، قدَّم جيمس بيكر، بصفته المبعوث الشخصي للأمين العام للأمم المتحدة، مشروع “اتفاق الإطار” الذي يقوم على حكم ذاتي في إطار السيادة المغربية، وقبل المغرب به، لكن الجزائر والبوليساريو قاما برفضه، مما أدى إلى ضغط كبير على الجزائر، مفيدا أن بوتفليقة، رئيس الجزائر آنذاك، التقى بجيمس بيكر في خريف 2001، ونتيجةً لذلك، ظهر تراجع بعدما تحرك لوبي البترول، حيث كانت الاستثمارات الأمريكية في الطاقة بالجزائر تتجاوز 6 ملايير دولار حينها.
وأوضح أنه في 2002، جاء مقترح تقسيم الصحراء كحلٍّ، ورحبت به الجزائر رسميًا، مما أثبت أن الأمر لا يتعلق بتقرير المصير، لأنه لو كانت الجزائر تدافع عن تقرير المصير، لما قبلت بتقسيم الصحراء، وهذا يُبرز التناقض الواضح في موقفها، مضيفا أنه في 1999 و2000، اشتغل السفير الأمريكي إدوارد غابرييل على مشروع “اتفاق الإطار” مع الملك محمد السادس، بعد ذلك في 2003، تراجع جيمس بيكر وجاء بمشروع جديد يجعل الحكم الذاتي مجرد مرحلة انتقالية للانفصال، فرفضه المغرب بالكامل، مضيفا أن السودان قبلت بحل مماثل فأدى الأمر إلى الانفصال.
وأبرز الخلفي أنه أجرى بحثا في الولايات المتحدة حول الكونغرس الأمريكي وصنع القرار بشأن قضية الصحراء المغربية سنة 2005، وبعد العودة حضر محاضرة بجامعة الحسن الثاني بالدار البيضاء وأكد أنه لا يمكن المراهنة على الحل المستورد، لأنه في جوهره يهدف إلى إدامة النزاع لا إنهاءه، مفيدا أن المغرب بصم على تحول استراتيجي كبير بعدما أعلن الملك الانتقال من التدبير إلى التغيير.
وأشار القيادي بحزب “المصباح” إلى أن أحد الأبعاد المهمة المرتبطة بالصحراء البعد الإسرائيلي الأمريكي، مبرزا أن إحدى أكبر الأزمات التي واجهها المغرب بعد استرجاع الصحراء كانت مع إدارة جيمي كارتر في 1978، عندما صدر قرار من الكونغرس، بقيادة اللوبي الإسرائيلي، بوقف بيع السلاح الأمريكي للمغرب بحجة أنه يُستخدم في منطقة غير معترف بها دوليًا، مما أدى إلى اختلال التوازن العسكري بين المغرب والجزائر، مما جعل سنة 1979 سنة صعبة عسكريًا على المغرب.
“وبالرغم من ذلك، إلا أن المغرب صمد صمودا استثنائيا، لأنه حينها كانت معارك بئر أنزران ومعارك السمارة”، يقول الخلفي، مبرزا أن المغرب واستطاع أن يُفشل اتفاق 5 غشت 1979 الذي كان يهدف إلى إنشاء دويلة في واد الذهب.
وشدد أن المغرب أمام عدة تحديات، منها طرد البوليساريو من الاتحاد الإفريقي، وهي معركة صعبة ولكن هناك تقدم، إضافة إلى تحدي إخراج القضية من اللجنة الرابعة للأمم المتحدة، لأن تواجد الملف بها اليوم أصبح عبئا، ثم التحدي الثالث المرتبط بمواكبة التشدد الحاصل في المنظومة الحزبية الأوروبية وانعكاسات ذلك على البرلمان الأوروبي وهياكل الاتحاد الأوروبي، مفيدا أن استغلال قرار العدل الأوروبية لاصطناع وضع قانوني مشوش أمر وارد.
ولفت إلى تحدي المجال المغاربي الذي تتم به حاليا عملية تحريض كبيرة، والجزائر التي كانت تنفق على التسلح 5 ملايير دولار قبل 15 سنة وصلت الآن 25 مليار دولار، مفيدا أن المغرب لا يميل للحرب لكن ينبغي أن يكون مستعدا، لأن النخبة الحاكمة في الجزائر لديها اختيار عدائي تجاه المغرب، مبرزا أن هذه التحديات يضاف إليها تحدي معرفة الأجيال الجديدة من الشباب والطلاب محدودة وانخراطها في الآليات الترافعية محدودة، مشددا على الحاجة إلى التأهيل والتكوين الذاتي والانخراط في المبادرات الترافعية وتنمية مهارات الترافع الرقمي واستثمار المعرفة.

شاهد أيضا
شارك برأيك

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.