سليمان صدقي
على مدى السنوات الأخيرة، ارتفعت وتيرة ورقة لغة التهديد والوعيد التي يتقنها النظام الجزائري. ولا يمر شهر أو أسبوع إلا ويتم اتخاذ إجراء عدائي تجاه المغرب.
هذه المرة، وعبر “بلاغ الشرقي” يسعى التدخل في بقعة جغرافية تحت السيادة المغربية!! كما في مناسبات أخرى بذل جهودا للتدخل في شؤون المغرب الداخلية.
المستغرب له أن الجيش الجزائري يقوم بمناسبة وبدونها بإجراء تمرينات عسكرية على حدود المغرب وفي الصحراء الشرقية جنوبا بأسماء مستفزة من قبيل “اكتساح” أو غيرها، دون أن يثير ذلك حفيظة المغرب ودون احتجاج.
إذ أن المغرب، وعلى مدى السنوات والعقود الماضية، لم يسبق له أن تدخل في الشأن الجزائري في دعم طرف ضد طرف، أو في احتضان جماعات انفصالية كجماعة “الماك” التي تطالب بانفصال منطقة القبايل. كما أن آخر خطاب للعاهل المغربي محمد السادس أكد على سياسة اليد الممدودة للجزائر في السراء والضراء، متعهدا بعدم انخراط المغرب في مسار ردات الفعل أو في خلق أعمال عدائية تجاه الجزائر.
ولذا نرى الدبلوماسية المغربية تترجم مواقف المغرب في هذا المجال بشكل حرفي، ولم يسجل أي رد فعل رسمي رغم الاستفزازات والأعمال العدائية المتكررة من طرف واحد (الجنرالات).
في المقابل، ومنذ 1975 يسهر نظام “المرادية” على احتضان عصابة انفصالية ويمولها ويسلحها ويوفر لها الغطاء الدبلوماسي لممارسة أعمال عدائية ضد المغرب. والمغرب على مدى نصف قرن يمارس سياسة ضبط النفس ولا يرد بالمثل رغم كثرة الأوراق…
لا تقف الأعمال العدائية للجنرالات عند هذا الحد، فقبل أشهر أسس النظام الجزائري مجموعة انفصالية لا يتجاوز أعضائها أصابع اليد الواحدة بالجزائر العاصمة، يدعي أنها تطالب بانفصال منطقة الريف عن المغرب. والمغرب مستمر في ممارسة سياسة ضبط النفس، وعدم الانخراط في مسار التصعيد رغم امتلاكه لأوراق كثيرة…
شخصيا وفي نقاشات مستفيضة مع إخوة جزائريين في أكثر من مناسبة، يعلن أغلبهم تبرؤه مما يقوم به الجنرالات. ونظرا للقمع الذي يتعرض له المعارضون، يخشى عامة المواطنين الجزائريين من إعلان مواقفهم الرافضة لهذه السياسة الممنهجة ضد المغرب، خاصة وأن العديد من الأصوات المعارضة تقبع الان في السجون.
من يريد استيعاب مواقف الجنرالات الذين وصلوا للسلطة عن طريق انقلابات عسكرية آخرها دموي بداية التسعينات، لا يحتاج أن يكون متخصصا في العلاقات الدولية أو خبيرا في الشؤون العسكرية والمغاربية أو محللا سياسيا، يكفيه فقط أن يقرأ قليلا عن التحولات المفصلية الناظمة لسيرورة انتقال السلطة بين أجيال العسكر وتياراتهم منذ استقلال البلد؛ هي انتقالات اتسمت على الدوام بالحاجة لخلق عدو خارجي. وغالبا كان المغرب الورقة المفضلة لهؤلاء.
ومع الأسف، عدد من الجزائريين المدنيين كانوا ضحية هذه السياسة الهمجية، على رأسهم الرئيس الراحل محمد بوضياف رحمه الله، شهيد المصالحة مع المغرب، وشهيد الواجب الوطني الجزائري في محاولاته إرجاع قطار الديمقراطية لسكته الصحيحة عشية اندلاع العشرية السوداء…
وأمام المخاطر المحيطة بسؤال استمرارية النظام الحالي، خاصة تلك المتعلقة بالحراك الشعبي الذي تبينت خطورته الشديدة بعد أن نجح في إسقاط الرئيس السابق عبدالعزيز بوتفليقة رحمه الله. يلعب منذ سنوات الجنرالات مرة أخرى “وصفة الخطر المغربي” علها تنجح في تجاوز الأزمة الحالية الخانقة… ولله في خلقه شؤون.