هذا تعريف مقتضب بالشيخ والداعية الوطني المصلح حماد القباج الذي توفي يوم أمس الأحد 9 مارس 2025 م، الموافق للثامن من رمضان 1446 هـ.
1-مسار من التعلّم العصامي
ولد الشيخ حماد القباج رحمه الله تعالى في مراكش بتاريخ 8 يناير 1977، وتابع دراسته التعلّمية بذات المدينة إلى أن حال بينه وبينها شلل رباعي نتج عن حادث تعرض له في السنة الأولى ثانوي (عام 1996).
تفرغ بعد ذلك الشيخ القباج رحمه الله لمسار من التعلّم العصامي لم يقف إلى أن وافته المنية، فحفظ القرآن وختمه على طريقة المغاربة وقراءتهم (رواية ورش عن نافع من طريق الأزرق)، ودرس العلوم الشرعية في متونها مجالسة لشيوخ أو وِجادة في كتب، كما كانت له دراسة عصامية في مجال الفكر الإسلامي وتاريخه.
وقد طلب الشيخ حماد القباج العلم على عدد من شيوخ مراكش أمثال الشيخ محمد المغراوي والشيخ عبد القادر دراري والشيخ عادل رفوش، ومن خارجها أمثال محمد الأمين بوخبزة والمختار بن العربي مومن الجزائري، وقد أجازه بعضهم في إجازات عامة أو إجازات خاصة في علوم بعينها.
2-مسار الشيخ القباج في دار القرآن بمراكش
فلما حفظ القرآن ودرس علومه وباقي العلوم الشرعية أصبح من رموز دور القرآن في مراكش (جمعية الدعوة إلى القرآن والسنة)، وقد كانت له فيها دروس دينية منذ 1998، خاصة الدرس النسائي الذي عرف نجاحا كبيرا، وقد كان الشيخ حماد القباج مؤسس هذا الدرس بشهادة المقربين منه (من 2006 إلى 2012).
وقد تكلل عمله بدور القرآن بمراكش وخارجها بانتخابه منسقا عاما للتنسيقية المغربية لجمعية دور القرآن بمراكش، وهي المهمة التي تحمل أعباءها إلى حين استقالته عام 2013.
ويشهد من يعرف الشيخ بتلك المرحلة على مدى تفانيه في خدمة دار القرآن والتدريس بها والدفاع عنها بعد اتخاذ قرار إغلاق مقراتها بمراكش، وقد كان الشيخ على ضعف قواه البدنية وشلله الرباعي المزمن يتحمل مهام التنسيق العام بين دور القرآن متنقلا بين مدن المغرب من شماله إلى جنوبه.
3-مسار الشيخ بعد استقالته من دار القرآن بمراكش
وبعد استقالة الشيخ من جمعية الدعوة إلى القرآن والسنة بمراكش، بلور رفقة بعض الأساتذة والشيوخ والشباب تصورا جديدا للعمل الدعوي الإسلامي يجمع بين الحركية والوطنية والاعتدال.
وكان من نتائج ذلك تأسيس عدد من الجمعيات والمؤسسات من قبيل: مؤسسة مودة المختصة بقضايا الأسرة والتربية، ومؤسسة عطاء الخيرية في العمل الاجتماعي، ومؤسسة يوسف بن تاشفين للدراسات والأبحاث، الخ. وكل هذه المؤسسات كانت للشيخ حماد القباج يد خير فيها، بل كان مشرفا مرابطا على بعضها رحمه الله تعالى.
ورغم هذه الالتزامات الجديدة، حافظ الشيخ القباج على التزامه الصحفي مع جريدة السبيل الورقية التي عمل بها منذ تأسيسها وكان من أبرز كتابها، كما حافظ على بحثه العلمي والأكاديمي فكانت له كتابات نوعية في هذه المرحلة من حياته.
4-المسار السياسي والنضالي
تميزت المرحلة الجديدة للشيخ حماد القباج بدعوته للإصلاحات الدستورية عام 2011، وله كتاب في ذلك (مشترك مع د. عادل رفوش)، كما دعا إلى المشاركة السياسية وكان أحد المرسلين لها على الطريقة المقاصدية اعتمادا على أبي إسحاق الشاطبي في كتابه “الاستبصار والتؤدة”.
ونظرا لنشاطه البارز في المجتمع المدني، فقد عينه الحبيب الشوباني الذي كان آنذاك وزيرا مكلفا بالعلاقات مع البرلمان والمجتمع المدني، عضوا في لجنة الحوار الوطني حول المجتمع المدني والأدوار الدستورية الجديدة (2013).
في ذات المرحلة، سيرشح حزب العدالة والتنمية حماد القباج للانتخابات التشريعية بمراكش عام 2016، قبل أن يسحب ترشحه بعد حملة إعلامية سنتها عليه بعض الأطراف لحسابات سياسية وإيديولوجية.
5-استقلال الشيخ حماد القباج بعمل مؤسسي وطني كبير ورائد
بعد تجارب عديدة في العمل مع آخرين في عدة مشاريع دعوية أو إصلاحية، اهتدى الشيخ حماد القباج رحمه الله تعالى إلى الاستقلال بخطه الفكري والإصلاحي في مؤسسات ومنصات إعلامية وفكرية أسسها لبنة لبنة؛ وهذه أبرزها:
-مؤسسة إحياء للتنمية الأخلاقية والفكرية؛ ويمكن اعتبارها أمّ جميع المؤسسات الأخرى، وكان هم الشيخ رحمه الله فيها ومن خلالها التنبيه إلى أهمية الأخلاق في كل فعل أو عمل إصلاحي، وكم كان رحمه الله مهموما بهذه الدعوة وبضعفها في الدعاة والعاملين (للمؤسسة موقع وإصدارات ومنصات تابعة لها).
-مركز بلعربي العلوي للدراسات والأبحاث، وهو مركز متخصص في التعريف بالفكر المغربي والتاريخ المغربي وكذا الإسلامي على وجه العموم. وقد أصدر الشيخ كتبا له ولغيره ضمن هذا المركز.
-منصة الشيخ تقي الدين الهلالي؛ وهي منصة خاصة وغير مسبوقة للتعريف بسيرة الشيخ تقي الدين الهلالي وأعماله، وتكاد تشكل موسوعة في التعريف بدعوته.
-منصة حضارة مراكش؛ وكان الشيخ القباج يسعى من خلالها إلى التعريف بالتاريخ المغربي من خلال تاريخ مراكش وأعلامها ومآثرها الخ.
-منصة ما يسطرون؛ وهي منصة إلكترونية تابعة لمؤسسة إحياء، أسسها الشيخ لتسويق كتب المؤسسة وكذا ما يراه من كتب مهمة وأغلبها كان في الفكر الإسلامي وقضايا الأمة وتاريخ المغرب وفكره الوطني.
-مجالس النور؛ وهي مجالس أسسها الشيخ قبل حوالي خمس سنوات، وانتدب لها شيوخا يحفظون القرآن ويشرحون علومه، وقد كانت له فيها دروس في التدبر والتفسير. وقد نظمت المؤسسة مؤخرا وبحضور الشيخ حفلا عامرا بمراكش احتفاء بخاتمي القرآن الكريم وحافظي نصفه أو أقل ممن أشرف دت المؤسسة على تحفيظهم.
6-مؤلفات الشيخ حماد القباج
أما مؤلفات الشيخ حماد القباج رحمه الله تعالى فهي عديدة وقد كتبت على مراحل وباهتمامات مختلفة، إلى أنها موسومة جميعا بإرادة الإصلاح والوعي الوطني والدفاع عن قضايا الوطن والأمة؛ وهذه أبرز مؤلفاته:
-المغني عن الأسفار في معرفة أحكام وآداب الأسفار.
-الأدلة القطعية على تحريم التفجيرات التخريبية التي تمارس باسم الجهاد وإنكار المخالفات الشرعية.
-منزلة المرأة في الإسلام وكشف الشبهات.
-السلفية في المغرب ودورها في محاربة الإرهاب.
-الجامع المختصر المفيد من أحكام صيام رمضان وأعمال العيد.
-نظام الحكم في الإسلام والمسألة الدستورية في المغرب.
-الاستبصار والتؤدة في عرض المستجدات والنوازل السياسية على قواعد المصلحة والمفسدة.
-حياة شيخ الإسلام محمد بن العربي العلوي؛ العالم المفكر والمصلح المناضل.
-المرأة بين الشرع والقانون الفقيه الحجوي (دراسة وتعليق).
-كفاح وطني من أجل لغة التعليم.
-مغربية الصحراء والتعقيد السياسي.
وكل هذه كتب مطبوعة، وعنده كتب أخرى مخطوطة لم تطبع بعد من قبيل:
-المغاربة والمسجد الأقصى.
-العلاقات المغربية التركية في التاريخ الحديث.
-الثوابت الدينية والمذهبية المغربية.