عادات وتقاليد أهل الصحراء في العشر الأواخر من رمضان.. تراث صحراوي بلمسة روحانية

تتميز منطقة الصحراء المغربية، وخاصة مدينة كلميم، بعادات وتقاليد فريدة خلال العشر الأواخر من شهر رمضان المبارك، حيث يجتمع التراث الثقافي العريق مع الروحانيات الدينية لتشكل لوحة مميزة تعكس حياة أهل المنطقة.
هذه الفترة، التي تُعدّ ذروة الشهر الفضيل، تشهد إقبالًا كبيرًا على العبادة والتآزر الاجتماعي، مع الحفاظ على طابع خاص يميز أهل الصحراء.
في كلميم، المعروفة بـ”بوابة الصحراء”، يبدأ الاستعداد للعشر الأواخر قبل أيام من حلولها، حيث تُزيَّن البيوت بأضواء خافتة، تعكس بساطتها طابع الحياة الصحراوية، مع إعداد المساجد لاستقبال المصلين الذين يتوافدون لأداء صلاة التراويح وقيام الليل، والاستعداد الجيد لصلاة ليلة القدر، التي هي خير من ألف شهر.
ومن أبرز العادات في هذه الفترة، تنظيم حلقات الذكر والقرآن التي تجمع بين الكبار والصغار. ففي كلميم، يحرص الأهالي على تعليم أبنائهم حفظ القرآن الكريم، وتتزايد هذه الجهود في العشر الأواخر سعيًا للتقرب إلى الله وليلة القدر. ولا تقتصر هذه الحلقات على المساجد فقط، بل تمتد إلى البيوت حيث تجتمع العائلات لتلاوة القرآن وتبادل الأحاديث النبوية.
أما على الصعيد الاجتماعي، فإن روح التكافل تتجلى بوضوح. يتبادل الأهالي أطباق الطعام قبل الإفطار، ويحرصون على دعوة الجيران والأقارب لمشاركتهم الوجبات، في تقليد يعزز الترابط الأسري والمجتمعي.
ومن الأكلات المميزة التي تُحضَّر في هذه الأيام “الكسكس باللحم المجفف” أو “البصارة”، وهي أطباق تراثية تتناسب مع طبيعة الحياة في الصحراء.
وفي ليالي العشر الأواخر، تتحول كلميم إلى مدينة لا تنام. فبعد صلاة التراويح، يمضي كثيرون أوقاتهم في الاعتكاف بالمساجد أو في السهر على الدعاء والاستغفار، بينما يفضل آخرون قضاء الليل في جلسات عائلية يتخللها سرد القصص الشعبية والأمثال الصحراوية التي تحمل في طياتها حكمًا ومواعظ.
تبرز ليلة القدر كأهم محطة في هذه الأيام، حيث يزداد الإقبال على العبادة والصدقات. وفي كلميم، يحرص الأهالي على إحياء هذه الليلة بإطعام الفقراء وتوزيع الملابس على المحتاجين، في تجسيد حي لقيم الرحمة والإحسان التي يدعو إليها الشهر الكريم.
تجمع إذن عادات أهل كلميم في العشر الأواخر من رمضان بين البساطة والعمق الروحي، مع الحفاظ على الإرث الثقافي الذي يميز هذه المنطقة الصحراوية. إنها صورة حية لمجتمع يعيش التوازن بين الدين والتقاليد، مما يجعل من رمضان في كلميم تجربة فريدة تستحق التأمل والتقدير.

شاهد أيضا
شارك برأيك

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.