فاطمة الزهراء باتا
وأنا أتابع النقاش الرائج حول قرار وزارة الصحة المتعلق بإلغاء الصفقات العمومية في قطاع الحراسة والنظافة، تبادر الى ذهني كيف تصر حكومتنا الموقرة، كلما سمحت لها الفرصة بذلك، على الترويج لشعارات “دعم التشغيل وتشجيع الشباب على الاندماج في سوق العمل” وتضخيم الجهود المبذولة من طرفها لتمكين المقاولات من فرص النمو. ولكن من يعود إلى قراراتها الفعلية، يفاجئ أن ما يحدث على أرض الواقع ليس إلا إقصاء ممنهجا، واحتكارا مقنعا، وريعا اقتصاديا يزداد تجذرا وتغولا في أبشع الصور.
ولنفهم عمق هذا التناقض يكفي أن نقارن بين منشور رئاسة الحكومة بخصوص تنزيل خارطة الطريق لتنفيذ السياسة الحكومية في مجال التشغيل، الصادر في 26 فبراير 2025 وقرار وزارة الصحة الأخير القاضي بإلغاء صفقات المناولة بجميع مستشفيات المملكة المغربية. إن النتيجة الفورية لهذا القرار، تتمثل في إقصاء آلاف الشباب غير الحاصلين على مستوى تعليمي معين، في حين أن المنشور يؤكد على جعل سياسات التشغيل أكثر إدماجا من خلال توسيعها لتشمل أشخاصا غير حاصلين على شهادات. فهل اطلع السيد وزير الصحة على منشور السيد رئيس الحكومة؟ وما فائدة قرارات رئيس الحكومة إن لم يلتزم بها وزراؤه؟ وهل يا ترى سيدخل رئيس الحكومة لتصحيح الوضع؟
إن هذا القرار الذي يبدو أنه لم يتطلب الكثير من التفكير من طرف السيد وزير الصحة، والذي اتخذ على عجل، بدليل الاعلان عنه عن طريق رسائل نصية هاتفية، سيؤدي حتما إلى تصفية المقاولات الصغرى والمتوسطة العاملة في المجال، والتي لن تستطيع المنافسة في صفقات ضخمت قيمتها فجأة، واحتكرت على المستوى الجهوي، لتمنح على طبق من ذهب لشركات كبرى، تحت غطاء الاصلاحات التي تهدف الى رفع مستوى الخدمات الصحية.
إن المطلع على إحصائيات القطاع وعلى عدد العاملين فيه، سيكتشف أن الحكومة، وعوض أن توفر “مليون منصب شغل” التي وعدت بها المغاربة في برنامجها الحكومي، والتي أصبحت حتى مكونات الأغلبية تشكك في تحقيقها، ماضية ولا محالة، في تطبيق استراتيجية جديدة، تتمثل في “كيف تضيف مليون عاطل عن العمل لسوق الشغل في أقل من سنة”,
من الواضح اليوم أن سياسات هذه الحكومة لم تعد تدار بمنطق تحقيق المصلحة العامة بل بمنطق المكاسب الخاصة، فقراراتها الارتجالية تؤكد يوما بعد يوم، لعموم المغاربة، المثل الشعبي القائل: لا ديالي بقى ولا وجهي تنقى”. إن حديث رئيس حكومتنا ووزراءه من ذوي الكفاءات العالية، عن تشجيع التشغيل هو مجرد دعاية جوفاء، لا أثر لها إلا في الخطابات. بينما يكشف الواقع المرير، أن الحكومة تتقن شيئا واحدا، وهو صناعة الإقصاء واعادة إنتاج البطالة. فمتى ستنزل هذه الحكومة من برجها العالي، ومتى ستحس بالمواطنين البسطاء الذين أنهكهم غلاء المعيشة وأصبح همهم الوحيد توفير قوتهم اليومي…