تواجه بلادنا خطرًا داهمًا يتمثل في اقتراب أسراب الجراد الصحراوي، الذي بدأ زحفه المدمر من جنوب السودان، حيث استفاد من الرياح الموسمية والظروف المناخية المواتية لعبور الحدود، مارًا بمصر وليبيا وتونس، والجزائر مخلفًا وراءه دمارًا زراعيًا واسعًا أثر على مساحات شاسعة من الأراضي الخصبة في هذه الدول. هذا التهديد الذي بات على الأبواب يثير قلقًا متزايدًا في بلادنا، حيث يتوقع الخبراء وصول الأسراب خلال أسابيع، وربما أيام، إذا لم تُتخذ إجراءات عاجلة لاحتواء هذه الآفة الزراعية الخطيرة.
الوضع يزداد حساسية مع الانتعاش الملحوظ الذي تشهده الفلاحة المغربية بفضل التساقطات المطرية الأخيرة التي أنعشت الآمال بموسم زراعي واعد لعام 2024-2025، بعد سنوات من الجفاف القاسي الذي أثر سلبًا على القطاع.
هذه الأمطار، التي ساهمت في إنعاش الفرشة المائية وزيادة مخزون السدود، أعادت الابتسامة إلى وجوه الفلاحين، حيث استفادت محاصيل الحبوب والخضروات وأشجار الزيتون بشكل كبير، مع توقعات بإنتاجية جيدة قد تساهم في استقرار الأسعار وتعزيز الأمن الغذائي للبلاد. لكن هذا الانتعاش مهدد بالانهيار مع اقتراب الجراد الصحراوي، المعروف بقدرته الهائلة على تدمير المحاصيل بسرعة مذهلة. فالسرب الواحد قادر على التهام ما يكفي لإطعام عشرات الآلاف من الأشخاص في يوم واحد، مما ينذر بخسائر اقتصادية جسيمة، خاصة في المناطق الزراعية الحيوية مثل الغرب وسايس وجهة الشرق، التي تُعدّ العمود الفقري للقطاع الفلاحي في المغرب. هذه المناطق، التي تعتمد بشكل كبير على إنتاج الحبوب والخضروات، قد تواجه كارثة إذا لم يتم التصدي لهذا الخطر بشكل فوري ومنظم.
ما يزيد من تعقيد الوضع هو الترهل الحكومي في بلورة سياسات اجتماعية فعالة تحمي الفلاحين من الكساد الاقتصادي، خاصة في ظل غلاء المعيشة وارتفاع الأسعار الذي لا يصب في مصلحة الفلاح الصغير، بل يستفيد منه أصحاب تضارب المصالح. على رأس هؤلاء يأتي رئيس الحكومة، الذي ارتبط اسمه بمخطط المغرب الأخضر، وهو المشروع الذي كلف ملايين الدراهم من المال العام، لكنه فشل في تحقيق أهدافه المعلنة، سواء في حماية الفلاحة المغربية من التقلبات المناخية والاقتصادية أو في تحقيق الاكتفاء الذاتي الغذائي.
هذا الفشل ترك الفلاحين الصغار في مواجهة مصيرهم بمفردهم، دون دعم حقيقي يمكّنهم من الصمود أمام التحديات المتتالية، سواء كانت جفافًا أو أزمات اقتصادية أو، كما هو الحال اليوم، تهديدًا بيولوجيًا مثل غزو الجراد.
في هذا السياق، تتجه الأنظار نحو وزارة الفلاحة والصيد البحري والقوات المسلحة الملكية وشركات الطيران الفلاحي لاتخاذ إجراءات استباقية عاجلة. الخبراء يدعون إلى ضرورة رصد تحركات الأسراب عبر تقنيات حديثة مثل الرادارات والطائرات المسيرة، مع استخدام المبيدات الحشرية المناسبة التي تحافظ على التوازن البيئي. كما يُطالبون بتعزيز التنسيق مع الدول المجاورة، مثل تونس والجزائر، لتطويق الخطر قبل أن يتفاقم. هذا التنسيق يتطلب أيضًا التعاون مع منظمات دولية مثل منظمة الأغذية والزراعة (FAO)، التي لديها خبرة واسعة في مكافحة الجراد الصحراوي في إفريقيا.
لكن التحدي لا يقتصر على الإجراءات التقنية فقط، بل يمتد إلى البعد الاجتماعي والاقتصادي. فالفلاحون، الذين يعانون أصلاً من ارتفاع تكاليف الإنتاج وانخفاض هوامش الربح، قد يجدون أنفسهم في وضع لا يُحتمل إذا دمر الجراد محاصيلهم. هنا تبرز الحاجة إلى سياسات حكومية فاعلة تشمل دعمًا ماليًا مباشرًا للفلاحين، وتأمين مخزون استراتيجي من المحاصيل الأساسية، وإنشاء صندوق للتعويضات في حال وقوع الكارثة. لكن هذه السياسات تظل غائبة أو ضعيفة التنفيذ، مما يعكس غياب رؤية واضحة لدى الحكومة في التعامل مع الأزمات المتعلقة بالقطاع الفلاحي.
إضافة إلى ذلك، فإن الظروف المناخية التي تُعتبر مواتية لتكاثر الجراد تضع بلادنا أمام تحدٍ مضاعف. التغيرات المناخية، التي أدت إلى تقلبات حادة في أنماط الطقس، جعلت من الجراد تهديدًا متكررًا في المنطقة. هذا الواقع يتطلب نهجًا شاملاً يجمع بين مكافحة الآفة على المدى القصير ووضع استراتيجيات طويلة الأمد للتكيف مع التغيرات المناخية، مثل تشجيع زراعة محاصيل مقاومة للآفات وتحسين تقنيات الري لتقليل الاعتماد على الأمطار.
فهل ستنجح الجهود الوطنية في حماية مكتسبات الموسم الفلاحي أم أن الجراد الصحراوي سيحول الأمل الذي أنعشته الأمطار إلى كابوس؟ الإجابة تتوقف على سرعة التحرك، وكفاءة التنسيق، وجدية الحكومة في دعم الفلاحين وحماية القطاع الزراعي من الانهيار. إن التاريخ يعلمنا أن التقاعس في مواجهة مثل هذه التحديات قد يكلف البلاد خسائر لا تُعوض، ليس فقط اقتصاديًا، بل أيضًا على مستوى الأمن الغذائي والاستقرار الاجتماعي.