يتيم يكتب: القضية الفلسطينية بين منطق الأمة الجامع والمنطق الطائفي والحزبي والفصائلي الضيق

محمد يتيم


التوظيف الحزبي والطائفي الضيق للقضية الفلسطينية والسعي للركوب عليها في تصفية حسابات مع منافسين سياسيين دليل على تيه فكري ومنهجي وسياسي.. وهو النهج الذي لم تسقط في فخاخه حركة حماس التي لم تقطع جسور التواصل مع الفصائل الفلسطينية الأخرى في منظمة التحرير بما فيها حركة فتح.. فكان منطقها دوما السعي لإيجاد أرضية للعمل المشترك بل استعدادها إذا اقتضت مصلحة القضية التخلي عنها، وهو ما أكدته تصريحات صادرة عن قياديين في حماس تعبر فيها عن استعدادها لتقديم مجموعة تنازلات، فيما يخص اليوم التالي في غزة.
ومن ضمنه التخلي عن الحكم لصالح حكومة وحدة فلسطينية، لكن دون أي استعداد للتخلي عن السلاح، إلا في حالة واحدة أي في حالة تحقيق دولة فلسطينية مستقلة.. وهو المنطق السليم الذي عملت به كل حركات المقاومة في العالم.
وهو ما ورد على لسان القيادي في حماس باسم نعيم حين صرح قائلا: “نحن مستعدون للتنازل عن السلطة السياسية والحكم الإداري في قطاع غزة لحكومة الوحدة الفلسطينية، دون التخلي عن سلاحها، ما لم يتم تحقيق دولة فلسطينية مستقلة”.
وهذا الموقف ينطلق من إيمان الحركة بمنطق العمل المشترك وتجاوز المنطق الحزبي الضيق والاستعداد للعمل في إطار حكومة وحدة وطنية تكون من مكوناتها دون شك حركة فتح التي تنسب لها السلطة الفلسطينية الحالية.

محاولة تأميم القضية لصالح فصيل أو تنظيم ضحالة فكرية وسياسية:
محاولة تأميم القضية الفلسطينية وجعلها حكرا على فصيل سياسي في فلسطين أو خارج فلسطين دليل على ضحالة في الفكر السياسي ناهيك أن يتم التنادي إلى إقصاء مكون من مكونات الساحة السياسية من العمل التضامني من الشعب الفلسطيني بدعوى المسؤولية عن توقيع اتفاقية التطبيع مع الكيان الصهيوني كما صدر في بلاغ جهوي لإحدى الجماعات الإسلامية في المغرب بدعوى مسؤوليته عن التطبيع!!
ويعلم الجميع أن قرار استئناف العلاقات مع الكيان الصهيوني كان قرار دولة وليس قرار حكومة، ناهيك أن يتحمل حزب العدالة والتنمية فيه المسؤولية… وهو الذي ما فتئت مواقفه وبلاغاته تؤكد رفضه للتطبيع بما في ذلك البلاغ الصادر عن أمانته العامة ومجلسه الوطني مباشرة بعد واقعة التطبيع وبلاغاته اللاحقة… فضلا عن مشاركاته في أعمال التضامن والدعم والنصرة للشعب الفلسطيني وهيئاته.. بل واشتغال مناضليه في عدد من الهيئات المناصرة للشعب الفلسطيني.. وهيئات مختصة بإعادة إعمار غزة…

وذكر فإن الذكرى تنفع المؤمنين؛
ويتعين التذكير من جهة أخرى بعدد من الحقائق منها:
-إسهام الحزب من خلال قياديين فيه في أسطول الحرية واعتقال بعض منهم من قبل السلطات الصهيونية. وكان بعض قيادي الحزب من مؤسسي الائتلاف العالمي لنصرة القدس وفلسطين، كما أن لهم مشاركات دولية في الحملات التي كانت تهدف إلى رفع الحصار عن غزة، ومنها مشاركتهم في أسطول الحرية الذي خرج من تركيا في العام 2010.
-خلال تلك المشاركة كما هو معلون تم اعتقال أحد قياديي الحزب من قبل الكيان الصهيوني.. واستقبل عند عودته استقبال الأبطال.
-قيام مناضلين من الحزب بزيارة تضامنية لغزة ودخولها في غمرة الحصار كما هو الشأن بالنسبة للدكتور المقرئ أبو زيد الإدريسي.
-نشاط مناضلين من الحزب بكثافة في أعمال دعم ونصرة الشعب الفلسطيني من خلال الوقفات والمسيرات فضلا عن تنظيم أنشطة ثقافية من قبيل مختلف هيئاته المركزية والطلابية والنسائية وهيئته الشريكة (نقابة.. حركة.. جمعيات ثقافية وفصيل طلابي وهيئت نسائية).
– التنظيم المتواصل لأنشطة فكرية وثقافية حول قضية فلسطين من أجل التعريف بالمقاومة وثقافة المقاومة.
– الإسهام الفاعل في تنظيم والمشاركة الفعالة في الوقفات والمسيرات وفي التأطير الثقافي والفكري المتواصل من أجل مناهضة كل أشكال التطبيع.
كل ذلك إما من خلال هيئات أسسها مناضلو الحزب والحركة القريبة من أو من خلال العمل المشترك مع مكونات سياسية ومدنية واجتماعية أخرى فضلا عن الإسهام في جهود إعمار القدس ودعم أعمال الوكالة (بيت مال القدس)..
-الاسهام المشهود في المسيرات والوقفات وفي التأطير الفكري والثقافي من أجل بيان مخاطر التطبيع السياسي والثقافي مع مواصلة الحزب والحركة مناهضة كل أشكال التطبيع السياسي والثقافي، والإسهام الفعال في الأعمال التضامنية المشتركة، بعيدا عن أي منطق طائفي أو حزبي من منطلق أن قضايا الأمة وجب أن تجمع ولا تفرق، ومن منطق أن قضية فلسطين هي قضية الأمة وقضية المغاربة بكل مكوناتهم وتوجهاتهم وتنظيماتهم.

حركة حماس… وعدم القطيعة مع أنظمة المنطقة؛
ولو تأملنا في نهج حركة حماس سنجد أنه فضلا عن انفتاحها على الفصائل الفلسطينية الأخرى، وتأكيدها عل العمل في غزة ضمن إطار مشترك. أنها إضافة لذلك لم تقطع صلاتها حتى مع بعض الأنظمة المطبعة مع الكيان الصهيوني بل قبلت بها وسيطا في المفاوضات مع الكيان الصهيوني (مصر).
وما ورد على لسان القيادي خليل الحية مؤخرا يؤكد هذا النهج الذي لم يعمل على استعداء دول المنطقة ومنها مصر التي لا يمكن أن يتهم نظامها بتبني فكر حماس ولا فكر حماس حين صرح قائلا: “وعلى الصعيد الوطني، وانطلاقاً من الرؤية التي وضعتها الحركة في حياة القائد الراحل إسماعيل هنية في الأسبوع الثاني للحرب، والتي تتضمن:
أولا: وقف العدوان،
ثانياً: تحقيق وحدة شعبنا لاستثمار نتائج الطوفان،
ثالثاً: العمل المشترك مع مكونات شعبنا الفلسطيني لنيل حقنا بإقامة دولة فلسطينية كاملة السيادة وعاصمتها القدس، والحق في عودة اللاجئين”.
ثم أضاف قائلا: “تحركنا لإنجاز وتحقيق وحدة شعبنا، وذهبنا إلى روسيا ثم الصين مرتين، وأبرمنا اتفاقاً واضحاً مثّلَ إجماع القوى والفصائل بتشكيل حكومة توافق وطني من خبراء”.
وأضاف: “ثم استجبنا لاحقاً للمقترح المصري بتشكيل لجنة إسناد مجتمعي لإدارة قطاع غزة، تتحمل مسؤوليةَ القطاع كاملاً في كل المجالات، تتشكل من شخصياتٍ وطنيةٍ مستقلة، وأن يتسلموا عملهم بدءاً من لحظة الاتفاق، لقطع الطريق أمام أي دعاية يمكن أن يمارسها العدو”.
وتابع: “وصلنا إلى مراحلَ متقدمةٍ في هذه الحوارات، وقدّمْنا مع عددٍ من القوى والفصائل للأشقاء في مصر، مجموعةً من الأسماء لأشخاصٍ مستقلين ومهنيين وخبراء، لإتمام عمليةِ التشكيل، ونأمل من الأشقاء في مصر أن يتمكنوا من الإسراعِ في تشكيلها بعدما أخذوا دعماً عربياً وإسلامياً لها”.
وهو ما يثبت أن حركة حماس تنطلق من موقع جامع بين الحرص على وحدة الصف الفلسطيني وعدم التفريط في الحقوق الفلسطينية.. وعدم أغفال المعطيات المحيطة بها بما في ذلك النظام المصري الذي لا يمكن أن يعتبر حليفا لحماس ولا يمكن اعتبار حماس خادمة لأجندته…
لكن حماس تنطلق ليس فقط من منطق التفكير الفصائلي الضيق بل من منطق الأمة الجامع واستخراج أقصى ما يمكن استخراجه من دول المنطقة وشعوبها بدل العمل على استعدائها وتعميق الخلافات فيما بينها…
وهو من أعظم الدروس التي تقدمها حماس في التدبير السياسي لطوفان الاقصى ومخلفاته … فهل يستفيد البعض منا من نهج حماس في الحرص على الجمع بدل التفريق وفي التعاون بدل التشاكس والسعي لإظهار الجدارة والطهر على حساب إخوانهم في المرجعية؟
نرجو أن يتحقق ذلك وتتغلب روح التأليف على روح المشاكسة والسعي لربح النقاط على ظهر من يشتركون معهم على المرجعية.. رغم كل نقاط الاختلاف في تمثل تلك المرجعية وفي التعامل مع المخالفين وفي المرجعية التصويرية والتنظيمية والتربوية والثقافية؟

شاهد أيضا
شارك برأيك

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.