نور الدين يضع خطاطة لفهم الأزمة الدبلوماسية بين الجزائر ومالي والنيجر وبوركينافاسو وما المطلوب من المغرب
تفاعلا مع أزمة سحب سفراء مالي والنيجر وبوركينافاسو من الجزائر بعد إسقاط الأخيرة لطائرة مسيرة للجيش المالي في أبريل 2025، قال أحمد نور الدين، الخبير في الشأن الإفريقي والعلاقات الدولية، أن هناك خمسة مفاتيح أو قواعد لفهم ما جرى، وأن هناك خمسة إجراءات على المغرب القيام بها تجاه ما يقع.
وأوضح نور الدين في تصريح لـ Pjd.ma، أن القاعدة الأولى عنوانها أن “الجزائر تعمل على إدامة النزاعات لدى الجيران لفرض الوصاية والهيمنة عليها”، مشيرا إلى أنه سبق للأزواد أن رفضوا الدور الجزائري في الأزمة مع مالي، حيث رفضت عدة حركات ما يسمى اتفاق الجزائر الذي ولد ميتا سنة 2015، وهو تعبير عن عدم ثقة حركات التحرر في الأزواد في حكام الجزائر الذين يلعبون على كل الحبال ونظرا لسوابقهم في التآمر عليهم منذ 1962.
واسترسل: “واليوم تؤكد حكومات دول الساحل وفي مقدمتها مالي على الدور الهدام الذي تقوم به الجزائر من دعم للإرهاب واحتضان للانفصال”، مشيرا إلى “تصريحات رسمية لوزير خارجية مالي في يناير 2025 تتهم النظام العسكري الحاكم في الجزائر بدعم الجماعات الإرهابية في بلاغ رسمي. وهو ما سبق لوزير الدولة والمتحدث باسم الحكومة الانتقالية المالية، العقيد عبد الله مايغا، أن صرّح به خلال مداخلته أمام الجمعية العامة للأمم المتحدة في شتنبر 2024 واصفاً الجزائر بأنها “تقوم بإيواء إرهابيين”.
وأما القاعدة الثانية، بحسب نور الدين، فهي أن الجزائر تعرقل كل الحلول التي لا تخدم أهدافها في المنطقة وقد أقر الرئيس الحالي عبد المجيد تبون بهذا بكل صلافة وصفاقة، حين صرح نهاية 2020 عقب الانقلاب الأول في مالي من أنّ “حلّ الأزمة في مالي لن يتم إلا بموافقة الجزائر”، مشددا أن “معنى هذا الكلام الخطير أنّ الجزائر ستعرقل أي مبادرة دولية أو إقليمية إذا لم تكن تخدم أهدافها”.
وزاد: “وهو ما تقوم به فعلياً فالعرقلة تتخذ أشكالا وألوانا متعددة منها دعم الجماعات الإرهابية والحركات الانفصالية والجريمة المنظمة، الخ. وهي من وراء ذلك تخشى من أنّ حلّ مشكلة الأزواد سيدفع شعب الطوارق الذي ألحقه الاستعمار الفرنسي بالجزائر، إلى المطالبة باستقلاله”.
وأبرز الخبير في الشأن الإفريقي أن القاعدة الثالثة لفهم ما يجري عنوانها أن “الجزائر عامل هدم وزعزعة للأمن والاستقرار في الساحل”، مردفا: “يكفي أن ننظر إلى تصدير الجزائر للجماعات المسلحة إلى دول الساحل، حيث نجد معظم التنظيميات الإرهابية في تلك المنطقة أسسها أو كان يقودها جزائريون من أمثال عبد المالك درودكال وخلفه أبو عبيدة العنابي بالنسبة لتنظيم “القاعدة”، أو المختار بلمختار الملقب بالأعور بالنسبة لتنظيم “الموقعون بالدم” والذي اندمج فيما بعد مع تنظيم “الجهاد والتوحيد” وغيرها من التنظيمات التي زرعت الفوضى والإرهاب، ونشرت الرعب والقتل وتسببت في التهجير لآلاف المدنيين في الدول المنتمية لفضاء الساحل والصحراء”.
وبشأن القاعدة الرابعة، فقال نور الدين إنها تتمثل في أن “الجزائر تمارس سياسة الترهيب كخيار استراتيجي تجاه دول الساحل”، مشيرا إلى أن ذلك أكده وزير خارجية مالي حين طالب الجزائر في يناير 2025 بالتوقف عن استغلال أزمة مالي لتعزيز موقع الجزائر الدولي، وأضاف أن مالي لا تريد دروسا من الجزائر، وأن هذه الأخيرة عليها أن تحلّ مشكلة شعب القبائل الذي يطالب بالاستقلال قبل أن تفكر في التدخل في شؤون مالي.
وذكر أن الاحتقار الجزائري لجمهورية مالي لم يتوقف عند هذا الحد، حيث قام وزير خارجية الجزائر أحمد عطاف بتصريحات معادية في شتنبر الماضي 2024 وصف فيها وزير الدولة في جمهورية مالي “بقليل الأدب” وهي عملية ترهيب وابتزاز بكل المقاييس.
وبخصوص القاعدة الخامسة للفهم، فأكد نور الدين أن عنوانها أن “الجزائر تريد قطع الطريق أمام أي تعاون لدول الساحل مع المغرب لأن عقيدتها هي معاداة المغرب والإضرار بمصالح المغرب بكل الطرق”.
وأوضح، “لدينا شهادة الوزير الأول الجزائري السابق عبد المالك سلال أمام المحكمة، حيث اعترف بتبديد المليارات لعرقلة مبادرات المغرب وإفشال مساراته الدبلوماسية والاقتصادية على حد سواء. ولدينا حوادث الاعتداء المتكررة على سائقي الشاحنات المغربية في دول الساحل. والشواهد أكثر من أن تعد وتحصى، آخرها ما نشره التلفزيون الجزائري هذا الأسبوع والذي اتهم المغرب بالوقوف وراء سحب سفراء الدول الثلاثة مالي والنيجر وبوركينافاسو من الجزائر رغم أن بلاغ الخارجية المالية واضح في أن سحب السفراء جاء رداً على إسقاط طائرة مسيرة مالية من طرف الجيش الجزائري فوق التراب المالي وهو عمل حربي معادي وانتهاك صارخ للسيادة المالية”.
دور المغرب
أكد الخبير في العلاقات الدولية أن “الفرص لا تتكرر دائماً، وعلى المغرب اليوم أن يستفيد من أخطاء الماضي وينزل بكل ثقله في دول الساحل الثلاثة عسكريا واستخباراتيا واقتصاديا وثقافيا لدعمها في مواجهة الأدوار التخريبية التي تقوم بها الجزائر لنشر الفوضى في المنطقة”.
لذلك، يتابع نور الدين، “يجب أن نغادر مقاعد المتفرجين قبل فوات الأوان، وأن نتعاطى مع هذه الدولة بحزم لتفكيكها وتحييد خطرها بشكل نهائي وإلى الأبد”.
وأضاف: “واليوم لدينا فرصة ذهبية لإنشاء تحالف مع دول الطوق في الساحل لمحاصرتها أولا وعزلها ثانياً ومن ثم الانتقال في خطوة ثالثة إلى مستوى المنظمات القارية والدولية لاستصدار عقوبات إفريقية ودولية ضدها، بتنسيق وتعاون مع كل حلفائنا الأفارقة والعرب وغيرهم”.
وشدد نور الدين أنه في قلب هذه المبادرات يجب أن تكون الاستثمارات الاقتصادية والبنيات التحتية حاضرة بقوة، لدعم صمود دول الساحل وتسريع مبادرة انفتاحها على موانئ المغرب عبر معبر أمغالا.
واعتبر المتحدث ذاته أن هذه الأزمة فرصة القرن بالنسبة للمغرب لضرب كل العصافير بحجر واحد، أولها “طي النزاع في الصحراء والاستفادة من درس دولة مالي التي طردت بعثة الأمم المتحدة “مينوسما”، وثانيها “تطويق الجزائر من كل الجهات بعد أن كانت هي التي تسعى إلى محاصرة المغرب شرقا وجنوبا”.
واسترسل، وثالثها “تفكيك الدولة المارقة الداعمة للإرهاب والانفصال، بعد أن كانت تسعى إلى تفكيك جيرانها”، ورابعها “إنشاء تحالف قوي اقتصادي وعسكري مع دول الساحل قد يتطور إلى كومنويلث يعيد ربط الماضي بالحاضر بوسائل وآليات سياسية معاصرة”.
وخامس المداخل، وفق نور الدين: “تطوير البنيات التحتية الطرقية والسككية في دول الساحل وتعزيز ربطها بجنوب المغرب بشكل نهائي من خلال إحياء طريق القوافل التاريخية”.