محمد يتيم
هذا المقال في أصله قديم ويرجع لعشر سنوات خلت، لكنه لا يزال صالحا لتوصيف حالة العجر العربي في التصدي للعربدة الصهيونية، ولذلك أعيد نشره بعد تحيين عدد من معطياته في العلاقة بالتطورات الأخيرة للعدوان الصهيوني المتواصل على غزة.
ثانيا وفي العلاقة مع عنوانه أعتذر لعرب 48، لأني اعتبر أن إطلاق هذا المصطلح لا ينطبق عليهم بما أصبح يكتسبه، من دلالات قدحية، تنطبق أساسا على العرب الذين خذلوا أهلنا في غزة وبعضهم يتشفى ما إليه وضع فلسطين بسبب العدوان المتواصل والإجرام الصهيوني والتواطؤ الأمريكي، مقابل العجز والخذلان العربي والإسلامي الرسمي…
ذلك أن ما يعرف ب “عرب إسرائيل” مع كونهم يعيشون تحت حكم “دويلة الكيان ” وجبروتها، إلا أنهم أشرف من بعض العرب المتصهينين الذين هم أولى بأن ينعتوا ب “عرب اسرائيل”!! بالمعنى القدحي للكلمة. وكما هو معلوم، هناك نفر من العرب المتصهينين الذين أصبحوا أكثر صهيونية من عدد من الصهاينة أنفسهم.
فداخل الكيان الصهيوني نفسه تتعالى بعض الأصوات الحقوقية بالإدانة للحرب الصهيونية القذرة على غزة، أصوات لا تري مبررا لكل هذا الحقد الأعمى المتصبب مع الحمم والقنابل التي تدمر البيوت على ساكنتها، وتنشر الموت بين الأطفال والنساء والمسنين والأبرياء من الغزيين، في محاولة لدق إسفين بين المقاومة وحاضنتها الشعبية.. إسفين قوامه الدم المسفوح والتقتيل ونشر الخراب والدمار ودفن الغزيين أطفالا ونساء تحت الأنقاض مع منع الماء والغذاء وتشديد الحصار أملا في استسلامهم
حقوقية من الكيان تنتفض ضد مشارك عربي.
يا الهول!! في برنامج تلفزيوني في أحد القنوات الأوروبية انتفضت حقوقية من الكيان ضد أحد المشاركين العرب وهو يلقى المسؤولية على حركة حماس فيما يقع من دمار وتقتيل في غزة، مذكرة إياه بأن استهداف المدنيين حتى لو وجد مسلحون متمترسون بهم يعتبر في القانون الدولي جريمة حرب !!
وفي البرنامج اليومي الذي كان يذاع على الجزيرة ”المشهد المصري”، بهت المذيع وهو يسمع أحد المتدخلين لا يقول كلمة واحدة في إدانة العدوان الصهيوني، بل ولو ربع كلمة، يل إنه حمل المقاومة مسؤولية ما يقع في غزة لأنها لم تقبل المبادرة المصرية بوقف اطلاق النار دون قيد أو شرط تمهيدا لنزع سلاح المقاومة (الكلام ينطبق على أوضاع سابقة على الوضع الحالي)..
لم يتغير شيء في الوضع العربي أن لم يكن قد تدهور نحو الخلف.. لم يتغير اليوم شيء ذي بال في الموقف العربي إن لم يكن قد تراجع خطوات للوراء في مجال خذلان فلسطين، وفي التفرج على تذبيح رجالها وأطفالها ونسائها. وتدمير عمرانها وممارسة أبشع أنواع السادية التي عرفها التاريخ البشري عليهم، دون أن يلتزم الكيان الصهيوني بشروط اتفاقية الهدنة لسنة 2012 مثلا، وبتنفيذ بنودها بل إنه خرقها من خلال اعادة اعتقال عدد كبير من الأسرى المفرح عنهم. مما يدل أنهم قوم ينكثون العهود والمواثيق بصريح ما ورد في القرآن الكريم: “أو كلما عاهدوا عهدا نكثه فريقا منهم ففريقا كذبتم وفريقا تقتلون”. وكذلك هو الشأن فيما يتعلق بالاتفاق الأخير.
والأدهى من ذلك يتعين التذكير أنه سبق لبعض الأنظمة العربية في المنطقة أن تبنت مبادرات تنطلق من الرؤية الصهيونية ومن شروطها القائمة على تصفية المقاومة ونزع سلاحها دون قيد أو شرط، مقابل وعود عرقوبية لم يتحقق منها شيء، في أي اتفاق سابق، بما في ذلك تلك المتعلقة بالالتزامات الدولية في جهود إعادة الإعمار.
فهل تعتبر تلك الأنظمة بعد ما تبين مرارا وتكرارا من حقيقة وطبيعة الكيان الصهيوني؟ وهل تستيقظ من وهم “الشرق الأوسط الجديد”، الذي يعني في الحقيقة أن تكون يد الكيان الصهيوني مطلوقة في التدمير والقتل، وأن ما يسمى بالمجتمع الدولي لن يتكفل بإعادة اعتمار ما دمره الاحتلال إلا بأن يتخلى الشعب الفلسطيني عن حقه في المقاومة؟، وأن الجزء الأعظم منه إذا سمح به لن تكون ألا بالمال العربي، ناهيك عن التصريحات الهيمنة التي عبر عنها الرئيس الأمريكي الأهوج دونالد ترامب!! والتي تنظر إلى الموضوع بعقلية الربح والتجارة كما اقترح بكل صلافة لأول مرة يوم 25 يناير من هذه السنة توطين شعب غزة في كل مصر والأردن وأن تتولي الولايات المتحدة السيطرة على القطاع الساحلي المدمر وإعادة تطويره ليصبح “ريفييرا الشرق الأوسط”.
لا أريد أن أجازف وأصدق أنباء روجتها عدة مصادر صهيونية حول عدوان 2012 على غزة من أنه قد تم بتمويل ومباركة عربية، لا لشيء إلا لوجود عداء سياسي وإيديولوجي لحركة حماس المحسوبة على الحركة الإسلامية التي لبعض الأنظمة في المنطقة حقد دفين عليها وحساب قديم ومتواصل معها.
لا غرابة ان يبتهج الصهاينة ويعبروا عن ارتياحهم لتعاون دول مجاورة في فرض الحصار على الشعب الفلسطيني لإذلاله واخضاعه وإجباره على الاستسلام للشروط الصهيونية.
إنه لشيء مقرف أن نعيش حتى نرى كيف وصل بعض العرب إلى هذه الحالة من موت الاحساس الديني والقومي والإنساني، وأن تعمي بعضهم الخصومة الإيديولوجية المقيتة عن رؤية انهار الدم المسفوح بآلة الدمار الصهيونية، بل أن تبلغ ببعضهم الوقاحة إلى حد التشفي بالفلسطينيين وحركة مقاومتهم المضمونة في المواثيق والقوانين الدولية لحد أن البعض من نخبهم وإعلامييهم ذهبوا إلى تبرير جرائم الحرب الصهيونية في غزة علنا أو في صالوناتهم الخاصة محملين المسؤولية للضحية أي لحماس عن كل ما يقع في غزة وللشعب الذي يحتضن الحركة!! وأن انزعاجهم من عربدة الكيان الصهيوني إنما ترجع في جانب منها من خشية تملل شعوبها وهي تشاهد خذلانها لقضية فلسطين ولأهل فلسطين.
تسويغ وتبرير حرب الإبادة
للأسف الشديد يوجد عدد من “عرب إسرائيل ممن يروجون علنا أو من وراء حجاب للخطاب الصهيونية الذي يقوم على تحميل المقاومة المسؤولية، وكان القضية بدأت من طوفان الأقصى”. وكأن المقاومة ليست حقا مشروعا تضمنه الشرائع السماوية والمواثيق الدولية.
المقاومة التي لجأت إليه وتلجأ له كل الشعوب التي وجدت نفسها أمام احتلال غاشم.. من قبيل المقاومة الفرنسية للاحتلال النازي.. والمقاومة الجنوب إفريقية ضد نظام الابارتايد والمقاومة الفيتنامية ضد الغزو الأمريكي.. ناهيك عن نماذج المقاومة في العالم الإسلامي من قبيل المقاومة المغربية ورمزها الملك محمد الخامس في المغرب الذي اختار المنفى على التسليم بشرعية الاحتلال الفرنسي ورجالاتها في للميدان من قبيل الأمير عبد الكريم الخطابي في شمال المغرب والمقاومة الجزائرية ومئات الالاف من الشهداء الذين رووا الأرض بدمائهم بقيادة الأمير عبد القادر والإمام ابن باديس والشيخ عبد العزيز الثعالبي في الجزائر، وكفاح المهدي في السودان والشيخ الملا في الصومال والقائد عمر المختار في ليبيا وعبدالكريم الكيلاني في العراق والشيخ عبد الله الحكيمي في اليمن والقائمة طويلة.
عرب إسرائيل
في مقابل هذه الصفحات المشرقة يتعين أن نشير إلى أن فريقا من “عرب إسرائيل” قد اختار أن يرفع بكل جرأة وقاحة شعار “كلنا إسرائيليون” دون حياء ووجل، فانطبق فيهم قوله تعالى: “ترى الذين في قلوبهم مرض يسارعون فيهم يقولون نخشى أن تصيبنا دائرة فعسى الله أن يأتي بالفتح أو أمر من عنده فيصبحوا على ما أسروا في أنفسهم نادمين”.
ويا للهول!! فهؤلاء، لم يكتفوا بحمل هذه الخيانة في أنفسهم ليعملوا سرا بمقتضاها، لكنهم أصبحوا يجهرون بها ويصفون بها أنفسهم لها بكل وقاحة.. من قبيل مجموعة في المغرب رفعت شعار ” كلنا إسرائيليون” لا غرابة أن يكون البعض من هؤلاء أكثر تبريرا للجرائم الصهيونية ضد الشعب الفلسطيني في غزة.
الطابور الخامس… كان موجودا في كل مراحل التاريخ بما في ذلك في مرجلة البعثة النبوية:
يتعين أن نستحضر أنه في كل هذه الحالات، كما في كل مراحل تاريخنا. بما في ذلك في العصر الأول، وفي حياة النبي صلى الله عليه وسلم؛ كان هناك “طابور خامس” وكان هناك مخذلون منافقون. قلوبهم ومصالحهم مع العدو…قوم يقتاتون على دماء شعوبهم وعلى حساب مصالح أوطانهم وأمتهم.
لكن الكلمة الأولى والأخيرة في نهاية المطاف كانت دوما وستكون للمقاومة ولكلمة الشعوب التي تقف وراءها طال الزمن أو قصر ومهما كان الثمن باهظا.
والتاريخ يثبت أن الذل والعار كان لمن خانوا قضايا الأمة وقضايا الوطن، وكذلك سيكون مصير المتخاذلين والمخذولين ممن يستمعون لهم من متصهينة العرب مصداقا لقوله تعالى: “وفيكم سماعون لهم”، وقوله تعالى: “فعسى الله أن يأتي بالفتح أو أمر من عنده فيصبحوا على ما أسروا في أنفسهم نادمين”، “ويقولون متى هو قل عسى أن يكون قريبا”.