محمد عصام يكتب: مؤتمر حزب العدالة والتنمية.. لا تقلب الورقة حتى تقرأ السطر الأخير

محمد عصام


 

نظم حزب العدالة والتنمية أمس الأربعاء ندوة صحفية لعرض حصيلة اشتغال اللجنة التحضيرية للمؤتمر الوطني التاسع الذي سيعقد بعد عشرة أيام تقريبا، تنظيم الندوة في حد ذاته حدث سياسي كبير يجب أن تُلتقط رسائلُه السياسية وتُقرأ بتأن وروية، فليس متاحا لكل الأحزاب في ظل مشهد حزبي عليل لا تخفى على أي متتبع أعطابه المزمنة، أن تنظم مثل هذه الندوة وأن تسعى لتحيط مؤتمراتها الوطنية بفائض من الشفافية يجعل تلك المحطة استحقاقا وطنيا ديمقراطيا، للمواطن حق معرفة تفاصيله الأكثر خصوصية ودقة، على خلفية أن الأحزاب ملك للمواطنين، والشأن السياسي بقدر ما تسكنه الشفافية بقدر ما ترحل عنه “الشياطين”.
الأمر الثاني الذي يجعل تنظيم الندوة حدثا سياسيا بامتياز، هو وضعية الحزب المنظم للندوة، الذي أريد له من جهة ما، أن يكون أثرا بعد عين، وذكرى بعد حضور، لكن إرادة مناضلي هذا الحزب أثبتت لمن يحتاج لذلك أن هذا الحزب مختلف تماما عن كل الأحزاب التي تؤثت المشهد .. إنه حزب عصي على المحو ، لإنه قبل أن يكون تجمعا عضويا، هو في الأصل فكرة عميقة الجذور في تربة الوطن تؤتي أكلها كل حين بإذن ربها.
كان البعض يمني نفسه، أن ضربة الثامن من شتنبر ستكون القاضية، وأن لا قدرة للحزب على لملمة جراحه بعدها، فإذا به يفاجئ هؤلاء ومن يقف خلفهم بسيره الثابت نحو مؤتمره التاسع بخطى واثقة، وجسم معافى، وإصرار على الانبعاث لا تخطئه عين المنصفين إلا من أبى.
نقول هذا الكلام، والمشهد الحزبي طافح بأمثلة لهيئات لم تجتز منعطف مؤتمراتها الوطنية إلا بصعوبة بالغة، بعضها ظل يؤخره لحولين كاملين عسى أن يكون الزمن المهدر بلسما لجراح التجاذبات الحادة التي تمزق كيانه، والبعض الآخر خرج من مؤتمره برؤوس ثلاثة في سابقة سريالية لم يسبق أن اقترفها حزب في العالمين، ومنها من دخل مؤتمره و نتيجة التئامه معروفة سلفا وموحى بها من جهات وراء حجاب، ما يعني أن تلك المؤتمرات بدون رهانات بل إن قراراتها اتخذت خارجها.
وهنا بالضبط مربط الفرس، فلا معنى لمؤتمر ليس سيد نفسه..لا معنى لشيء يدعى انتخاب رئيس أو أمين عام إذا كان القرار الذي يعز من يشاء ويذل من يشاء ليس بيد هؤلاء المؤتمرين الذين يصبحون في مثل هذه الحالات المتكررة في المشهد الوطني مجرد ” كراكيز” يتم تحريكها والتحكم فيها عن بعد.
ولهذا نقول إن أهم رسالة سياسية للندوة الصحفية بعد رسالة الشفافية، هي رسالة تمسك الحزب وإلى الرمق الأخير باستقلالية قراره الحزبي، ولهذا كانت أسئلة الصحفيين في أغلبها تستنطق هذا التمسك وتبحث عن تجلياته ومظاهره، وكانت الأجوبة قاطعة للشك باليقين، بأنه هنا في حزب العدالة والتنمية رأسمالنا الذي نعتز به ولن نفرط فيه أبدا، هو أن لا قدرة لأحد أن يملي علينا ماذا سنفعل، وأننا نتمسك باستقلالية قرارنا تمسكنا بالمنطلقات والقيم الجامعة التي جمعتنا منذ اليوم الأول.
الندوة الصحفية، جاءت لتقول أن في حزب العدالة والتنمية لا بد من قراءة السطر الأخير قبل قلب الورقة، وهو ما عودنا عليه الحزب في كل محطاته الكبرى من حجم المؤتمرات الوطنية، فمرحلة التداول تكون حاسمة في اختيار الأمين العام، ومنهجية الاقتراع السري توفر جرعة وافية من الحرية في الاختيار المقرون بالمسؤولية، والمساطر الواضحة والتي قد تبدو معقدة وطويلة، لكنها في نهاية المطاف تحمي اختيارات الناخبين وتصونها.
حزب العدالة والتنمية لا يدعي أنه تجمع ” ملائكة”، بل هو تجمع بشري تخترقه ما يتلبس بالبشر من أخطاء وطموحات وصراعات، لكن الذي يختلف به حزب العدالة والتنمية عن الآخرين، هو ركونه القوي وتمسكه الشديد بركن الديمقراطية الداخلية والتعويل عليها عبر مساطر دقيقة وشفافة في فض الطموحات وكبحها، حتى لا تتحول إلى انقسامات تذهب الريح وتشتت الشمل، ولهذا نقول “لا خوف على العدالة والتنمية ولو بعد قراءة السطر الأخير” !!!

شاهد أيضا
شارك برأيك

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.