سعيد الغماز يكتب: ندوة مؤتمر حزب العدالة والتنمية وسؤال “الميتافيرس”

سعيد الغماز-كاتب وباحث في الذكاء الاصطناعي


نظم حزب العدالة والتنمية، ندوة صحفية لتقديم تفاصيل الإعداد للمؤتمر التاسع. وكما هو الشأن بالنسبة لمؤتمرات الحزب، استأثرت هذه المحطة الحزبية باهتمام الرأي العام ومتابعة كبيرة من قبل الصحفيين والمنابر الإعلامية.
بعد تقديم عروض رؤساء اللجان التابعة للجنة التحضيرية للمؤتمر الوطني التاسع، فتح المنظمون المجال لتساؤلات الصحافيين. وكما هو مألوف في الندوات الصحفية التي يعقدها حزب العدالة والتنمية، كانت أسئلة الصحافيين تتسم بجرعة زائدة في طرح الإشكاليات والتركيز على الأسئلة المُحرجة. الأمر الذي يجعل هذه الندوات الصحفية لحزب البيجيدي مادة سياسية بامتياز، تستأثر باهتمام الرأي العام، وتخلق نقاشا سياسيا يزيد من جرعة الاهتمام السياسي في بلادنا.
الأسئلة التي طرحها الصحافيون خلال هذه الندوة، لم تخرج عن المألوف في الندوات التي ينظمها حزب العدالة والتنمية، إلا سؤالا واحدا لا يتسم بالجرعة الزائدة في طرح المواضيع المُحرجة، بقدر ما هو سؤال يتسم بجرعة زائدة في الغرابة والخيال الكابوسي والعبثي في مدرسة فرانز كافكا.
جاء في السؤال بالحرف والفاصلة: “السؤال يتعلق بالخطاب السياسي. أما آن الأوان للحزب الذي يعيش الآونة الأخيرة مع الذكاء الاصطناعي الميتافيرس والديجيتال، أن يغير من الخطاب السياسي المعاصر حتى يرقى إلى الاستقطاب أكثر، وأن يكون على المستوى القاعدي والعمودي يعني transversal et vertical  في قرب كبير جدا سياسيا إلى المواطن المغربي، ولا يبقى على مستوى الخطاب السياسي التراجي-كوميدي للكوميديا الإلهية لوليام دانتي”.
استغربتُ أيما استغراب لهكذا سؤال في ندوة صحافية لحزب سياسي. ويأتي استغرابي بحكم تخصصي في المجال الرقمي أو الديجيتال كما جاء في سؤال الصحافي. وتزداد حيرتي اتجاه السؤال بصفتي باحثا في الذكاء الاصطناعي والميتافيرس تخصص ينتمي إليه..
لو استحضر صاحب السؤال نظرية كانط في المعرفة وحديثه عن النومين والفينومين، وأن إنتاج المعرفة يمر عبر الإدراك الحسي المتعالي والمنطق المتعالي والجدل المتعالي الذي يسميه صاحب نقد العقل الخالص “الترونسوندونتالي”، لو تحدث الصحافي بهذه اللغة لقلنا “باغي يتفلسف في ندوة صحفية”. وربما كانت هذه اللغة مواتية لصاحب السؤال استحضارا للمثل الشعبي “لبس قدك إيواتيك”.
أعود لصاحب سؤال الميتافيرس والديجيتال، لأقول له أن لا وجود لحزب سياسي في عالمنا المحسوس بتعبير أرسطو، يتحدث في خطابه السياسي لغة الميتافيرس والديجيتال وtransversal وvertical. وفي الأخير أهمس في أذن الصحافي صاحب السؤال الميتافيرسي، وأقول له إن الرقمنة والذكاء الاصطناعي ليست مصطلحات نزين بها لغتنا، ونستعملها لنُحلِّي بها مصطلحاتنا، بل إنها مشروع تنموي وفرصة للدول التي عرفت كيف تتعامل معها، وتستفيد مما تتيحه من مجالات للالتحاق بالعالم المتقدم.
أهمس في أذنه كذلك لأقول له، إن سؤاله “الميتافيرسي” يجب طرحه على حكومة الكفاءات. لنتساءل أنا وإياه عن موقع بلادنا في خريطة البلدان التي تشتغل على تحقيق تقدم ملموس في التحول الرقمي. فهل يعلم “مول سؤال الديجيتال” أن المغرب في عهد حكومة الكفاءات، يعرف تأخرا كبيرا في مشروع المغرب الرقمي؟ هل يعرف أن حكومة السيد أخنوش لم تجد الكفاءة المناسبة في أحزاب الأغلبية، للتكفل بوزارة التحول الرقمي؟
فبعد فشل الوزيرة غيثة مزور التي جعلت بلادنا تراكم تأخرا كبيرا في التحول الرقمي، جاءت الوزيرة أمال السغروشني لتحاضر في الذكاء الاصطناعي وإدارتها تتعامل بمراسلات عبر البريد وتحت السلم الإداري، وكل سلم تقضي فيه هذه المراسلات أياما وأسابيع قبل وصولها إلى المعني بالأمر. إنها إدارة تعود للقرن الماضي، وبعيدة عن عالم تشتغل فيه الإدارات بالمايل والتطبيقات الرقمية، والمراسلة يتم توجيهها مباشرة للمعني مع نسخة لباقي المؤسسات في السلم الإداري. هكذا تصل المراسلة لصاحبها في ثوان، وتتطلب نفس المراسلة في حكومة الكفاءات أسابيع إن لم نقل شهورا.
…سيدي الصحافي يحدث هذا في حكومة الكفاءات ونحن نعيش زمن الميتافيرس والديجيتال كما جاء في سؤالك.
هل يعلم صاحب “الميتافيرس” أن الحكومة الحالية جعلت بلادنا بعيدة في التحول الرقمي، ليس عن البلدان المتقدمة، وإنما بعيدة عن بلدان عرفت كيف تستفيد من فرصة التحول الرقمي، ويكفي الإشارة إلى رواندا في إفريقيا والفيتنام في آسيا. نحن مع حكومة الكفاءات لا نتحدث عن السويد والنرويج والدانمارك.
سيدي الصحافي، إن إنشاء مقاولة في رواندا لا يتطلب أكثر من ساعتين….نعم ساعتين أي 120 دقيقة. وإذا سنحت لك الفرصة، اسأل حكومة الكفاءات كم يتطلب إنشاء مقاولة في بلادنا وقارن جوابها مع رواندا؟ آنذاك ستعرف لمن توجه أسئلة الميتافيرس والديجيتال والذكاء الاصطناعي وأزيدك من عندي شبكة الجيل الخامس للهاتف النقال.
أما إذا كان صاحب السؤال يقصد “بالميتافيرس” تحويل الأحزاب من العالم الواقعي إلى العالم الافتراضي وجعلها على شكل Avatar بلغة Métavers، فقد أخطأ العنوان، لأن حزب العدالة والتنمية، كما جاء في الندوة الصحفية، هو حزب حقيقي متواجد في الواقع ويشتغل بالقرب من المواطنين واقعيا وليس افتراضيا. أما إذا كانت الخريطة الحزبية تعرف أحزابا افتراضية تشتغل في العالم الافتراضي في انفصال تام مع العالم المحسوس، فتلك قصة أخرى ربما نجد جزءا من الجواب في انتخابات 8 شتنبر 2021.
سعيد الغماز-كاتب وباحث في الذكاء الاصطنا

شاهد أيضا
شارك برأيك

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.