أصدر المجلس الاقتصادي والاجتماعي والبيئي، برئاسة عبد القادر اعمارة، رأيه الرسمي فيما يخص مشروع قانون المسطرة الجنائية الجديد.
حيث وجه التقرير الصادر قبل أيام، انتقادات مباشرة للمادة الثالثة المثار حولها الكثير من الجدل، والتي تنص على أن عدم إمكانية تحريك الدعوى العمومية بناء على طلب جمعيات حماية المال العام كما كان سابقا.
واعتبر المجلس في رأيه أن ذلك لا ينسجم كذلك مع أحكام القانون الجنائي الذي يعاقب كل شخص بعدم التبليغ عن جريمة علم بوقوعها، ولا ينسجم مع الدستور المغربي والصلاحيات الموكولة للقضاء في مراقبة تدبير الأموال العمومية، ولا حتى المادتان 40 و49 من قانون المسطرة الجنائية نفسه، التي تمنح صلاحيات واسعة للنيابة العامة التي تتلقى المحاضر والشكايات والوشايات وتتخذ بشأنها ما تراه مناسبا.
وأوضح أن القانون الجنائي يتضمن عقوبات صارمة ضد من ثبتت ضده تهمة الوشاية الكاذبة أو القذف أو الابتزاز، وهي عقوبات يمكن تفعيلها ضد من يحاول توظيف العدالة لغرض ما بسوء نية. كما أنه من الضروري بمكان العمل على مراجعة القانون المتعلق بالجمعيات بما يرسخ معايير الحكامة الجيدة في تسييرها ويسد الطريق على الانحرافات المحتملة.
وبالنسبة للمادة 7 من المشروع، فقد اعتبر المجلس أن اشتراط حصول الجمعيات التي ترغب في الانتصاب كطرف مدني في القضايا الزجرية على على إذن بالتقاضي من السلطة الحكومية المكلفة بالعدل، لا يسير في اتجاه تكريس الأدوار الدستورية للمجتمع المدني والمشاركة المواطنة والفاعلة في قضايا الشأن العام، ويبدو وكأنه تقييد لما هو مقيد أصلا.
قانون جديد لا تعديل جديد..
استغرب المجلس من غياب أي دراسات مرفقة بمشروع قانون المسطرة الجنائية تبين مكامن الخلل في القانون السابق والأسباب المؤدية لتعديله، معتبرا أن تسويغ مبادرة تشريعية من هذا الحجم (مراجعة قانون المسطرة الجنائية) يقتضي الاستناد إلى معطيات ومؤشرات موضوعية تشخص واقع الحال.
ويرى المصدر ذاته أن المشروع الجديد جاء بما مجموعه 421 تعديلا، أي حوالي نسبة 56 في المائة من مواد القانون رقم 22.01 المتعلق بالمسطرة الجنائية، وهو ما يؤشر على أن الأمر يتعلق بمراجعة واسعة وجوهرية وعميقة للنص القانوني الحالي المزمع تعديله.
وأشار إلى أن التجارب الدولية في العديد من الأنظمة القانونية تفيد بأنه عندما يتم تعديل أكثر من 30 إلى 50 بالمائة من مواد القانون، فإنه غالبا ما يفقد القانون تماسكه وسهولة مقروئيته، ويؤدي إلى عدم الانسجام بين المقتضيات القديمة والجديدة، وأحيانا إلى تناقضات والتباسات كبرى، ويصبح بالتالي من الصعب أن يكون نفس الفهم والتأويل والإعمال للقانون الذي تم تعديله بالنسبة للقضاة والمحامين والمواطنين.
وفي هذا الصدد، ونظرا لضخامة وحجم مشروع التعديلات وعمقها وحساسيتها، يرى المجلس أنه من الأنجع في الأفق المنظور إصدار قانون جديد للمسطرة الجنائية تحقيقا للانسجام التشريعي، وبما يتماشى مع المضامين المتقدمة للدستور.
لا مكان للعقوبات في القوانين المسطرية الإجرائية
استغرب رأي المجلس الاقتصادي من تضمين مشروع قانون المسطرة الجنائية بعض العقوبات والأحكام السجنية والغرامات، مشددا على طبيعته بكونه قانون مسطري ينص على الجوانب الإجرائية الواجب اتباعها في التعامل مع القضايا الجنائية (التحقيق والمتابعة القضائية والمحاكمة..)، على أن يتم تعريف العقوبات الجنائية وطبيعتها في نص منفصل، مثل القانون الجنائي في المغرب، لضمان الوضوح ومراعاة حقوق الإنسان في النظام القانوني.
وأشار المجلس إلى أن الأنظمة القضائية الحديثة تميل إلى تجنب تناول العقوبات بشكل مباشر في القوانين الإجرائية، بل تدرجها في قوانين الموضوع التي تحدد الأفعال المجرمة والعقوبات التي تطبق عليها. غياب الجرائم البيئية والمبنية على النوع..
لاحظ خبراء المجلس الاقتصادي والاجتماعي غياب شبه كلي لأي تنصيص على إجراءات وتدابير خاصة تهم المرأة كمتهمة أو شاهدة أو ضحية، سواء في ما تعلق بالاستفادة من إجراءات وتدابير خاصة تهم المرأة كمتهمة أو شاهدة أو ضحية، سواء في ما تعلق بسرية الجلسات أو الاستفادة من الحراسة النظرية، أو التعويض عن الضرر الناتج عن الجريمة.
كما انتقد الخلو التام والمطلق للإجراءات الواجب اتباعها في الجرائم البيئية، رغم أن بعض هذه الجرائم يكتسي خطورة بالغة على استقرار المجتمع والحقوق الاقتصادية والاجتماعية والبيئية، منتقدا عدم استدراك مشروع القانون الفراغ القانوني في مجال الإجراءات الخاصة بالجرائم البيئية، كما لم يعزز دور النيابة العامة في مجال يعرف كثرة المتدخلين
