زينب البهي
في مقاله الأخير، قدّم رضوان الرمضاني نفسه كناقد سياسي يُشرّح تجربة حزب العدالة والتنمية، لكنه دون أن يشعر، تحوّل إلى مادةٍ نفسيةٍ بحتة وحالة صالحة للدراسة -Etude de cas clinique-، تصلح للتحليل النفسي. فالذي كتب ليس موقفا عقلانيا متزنا، بل نوبة انفعالية متشنجة، تخبرنا عن كاتبها أكثر مما تخبرنا عن موضوعها.
العدالة والتنمية، حسب الرمضاني، هو “أكبر عملية نصب سياسي في المغرب”. تشبيه اختزالي غارق في التبسيط، يفصح عن شيء أعمق: فوبيا مزمنة من حزب لا يزال يشكل تهديدا نفسيا للبعض حتى وهو خارج السلطة. ومن هنا يمكن فهم ما كتبه الرمضاني من زاوية التحليل النفسي، لا من زاوية التحليل السياسي.
في علم النفس، تعرف الفوبيا السياسية بأنها خوف غير عقلاني ومبالغ فيه من كيان أو فكر أو زعيم، تجعل الشخص المصاب بها يرى في كل حركة من خصمه علامة نهاية أو خراب. وهذا بالضبط ما يعاني منه الرمضاني.
إن كل جملة كتبها عن “نفسية بنكيران”، و”الفراغ السياسي”، و”الهدر”، ما هي إلا إسقاطات، تعبّر عن اضطرابه الداخلي أكثر مما تعبر عن واقع الحزب.
المقال مليء بالإسقاطات النفسية التي تنتمي إلى ما يُعرف في علم النفس بـ*”آليات الدفاع النفسي “*. حين يشعر الشخص بتهديد هويته أو صورته، يهاجم الآخر بدل مواجهة القلق الداخلي.
فبدل أن يناقش الرمضاني الأداء السياسي للحزب بلغة الحجة والمعطى، اختار لغة التهكم والتجريح والإقصاء، وهي علامات واضحة على القلق الوجودي من عودة محتملة للبيجيدي، رغم كل الحملات التي حاولت دفنه سياسيا.
اللافت أن المقال لا يخفي هذه الفوبيا، بل يفصح عنها دون وعي، خصوصا حين يختم الرمضاني بنكتة مهزوزة: “Appelle-moi stp ولكن الريزو ناقص”. إنها ليست مجرد سخرية، بل تعبير عن انفصال تام عن الواقع السياسي، وعن ارتباك لغوي يكشف ارتباكا نفسيا أعمق: فالعدالة والتنمية لا يزعجه لأنه فشل، بل لأنه يهدده بالنجاح مرة أخرى.
لقد كتب الرمضاني مقاله كما يكتب من يُحاول أن يُقنع نفسه أن “الوحش” قد مات، بينما هو فقط غيّر مكانه، وانتقل من الواجهة إلى العمق… إلى لاوعي خصومه.
خلاصة القول: الرمضاني لا يحلل تجربة العدالة والتنمية، بل يصارع ظله السياسي الذي لم يتجاوزه بعد. ولعل أخطر ما في مقاله ليس لغته العدائية، بل كونه يُعبّر عن وعي جماعي مأزوم، لا يرى في الاختلاف السياسي سوى تهديد وجودي، وفي النقد سوى فرصة للتصفية.
وحين تصبح السخرية بديلاً عن التفكير، فاعلم أن السياسة قد تحوّلت عند البعض إلى علاج نفسي أكثر منها ممارسة عقلانية.