مؤتمر حزب العدالة والتنمية.. إرادة شعبية تمول الديمقراطية رغم تعطيل الدعم الحكومي

عبد النبي اعنيكر


في الوقت الذي يستعد فيه حزب العدالة والتنمية لعقد مؤتمره الوطني التاسع يومي السبت والأحد 26 و27 أبريل الجاري بمدينة بوزنيقة، تتجلى روح الالتزام والتضامن التي طالما ميزت هذا الحزب العريق. هذا المؤتمر، الذي يشكل محطة تنظيمية حاسمة في مسار الحزب، ليس مجرد تجمع سياسي، بل هو تعبير حي عن إرادة مناضليه ومنخرطيه الذين يؤمنون بمشروع سياسي وطني ينطلق من المرجعية الإسلامية ويصبو إلى بناء مغرب ديمقراطي حديث.
لكن ما يجعل هذا الحدث استثنائيًا هو الطريقة التي يتم بها تمويله، مساهمات مالية طوعية من أعضاء المؤتمر، منخرطي الحزب، والمتعاطفين معه، في ظل تأخر غير مبرر من وزارة الداخلية في صرف الاعتماد المالي المخصص قانونًا لدعم المؤتمرات الحزبية.

إن حزب العدالة والتنمية، بتاريخه الطويل من الشفافية والنزاهة، يقدم نموذجًا يُحتذى به في تدبير موارده المالية على عكس أحزاب أخرى قد تعتمد على مصادر تمويل غامضة أو تسعى للاستفادة من المال العام دون محاسبة، يراهن “البيجيدي” على دعم قاعدته الشعبية. هذه المساهمات الطوعية ليست مجرد أرقام في ميزانية، بل هي شهادة على ثقة المناضلين والمتعاطفين في مشروع الحزب وقيادته.
في كل درهم يُساهم به عضو أو منخرط، تتجسد قيم الاستقامة والتكافل التي يرفعها الحزب شعارًا، هذا النهج يعكس إيمان الحزب بأن السياسة ليست مطية لتحقيق مصالح شخصية، بل خدمة للوطن والمواطنين، وهو ما يجعل المؤتمر الوطني حدثًا شعبيًا بامتياز.

وما يعزز هذا الالتزام هو السجل المشرف للحزب في تدبير الشأن العام. خلال عقدين من الزمن، وبعد دستور 2011، تولى حزب العدالة والتنمية مسؤولية الحكومة، محققًا إصلاحات جوهرية رغم التحديات الاقتصادية والسياسية. لم يكتف الحزب بتقديم نموذج للحكامة الرشيدة، بل أعاد ما يقارب مليارين ونصف إلى خزينة الدولة، في خطوة غير مسبوقة تؤكد التزامه بنظافة اليد ونزاهة منتخبيه. هذا السجل يشهد له الجميع، ويعكس حرص الحزب على حماية المال العام وتكريس مبادئ الشفافية والمحاسبة.

ومع ذلك، لا يمكن تجاهل التحديات التي تواجه هذا المؤتمر، وعلى رأسها تأخر وزارة الداخلية في صرف الدعم المالي المقرر بموجب القانون التنظيمي المنظم للأحزاب السياسية. هذا التأخير، الذي لا يجد له مبررًا مقنعًا، يثير تساؤلات جدية حول مدى التزام الجهات المسؤولة بدعم العمل الحزبي وتعزيز الديمقراطية، فالقانون واضح في تحديد التزامات الدولة تجاه الأحزاب، لا سيما فيما يتعلق بتمويل المؤتمرات التي تمثل ركيزة أساسية في تجديد الهياكل الحزبية وتعزيز الحياة السياسية، بيد أن هذا التلكؤ لا يؤثر فقط على حزب العدالة والتنمية، بل يمس جوهر العملية الديمقراطية التي يفترض أن تكون الدولة حامية لها.

رغم هذه العراقيل، يواصل حزب العدالة والتنمية التحضير لمؤتمره بكل عزيمة، مدعومًا بالروح الجماعية لمناضليه. الأمين العام للحزب، عبد الإله بنكيران، كان واضحًا في دعوته للأعضاء والمتعاطفين للمساهمة المالية، مؤكدًا أن الحزب يعمل من أجل قضايا الوطن وليس لتحقيق امتيازات شخصية. هذه الدعوة لم تقابل بالتردد، بل بتجاوب واسع يعكس الثقة الكبيرة التي يحظى بها الحزب لدى قاعدته. إن هذا التضامن ليس مفاجئًا، فالحزب الذي قاد الحكومة بين 2011 و2021، وحقق إصلاحات هامة رغم التحديات، يملك سجلاً يشهد له بالالتزام والشفافية.

في المقابل، مهما كان دوافع تأخر صرف الدعم الحكومي لمؤتمر البيجيدي، فهي واهية وغير مقبولة في الوقت الذي يواصل فيه حزب العدالة والتنمية دوره كمعارضة قوية تنتقد ممارسات الأغلبية الحكومية. لقد أثبت الحزب، من خلال مواقفه النقدية البناءة، أنه صوت الشعب الذي يرفض الهيمنة والاستغلال السياسي للموارد العمومية. هذا الدور قد لا يروق للبعض، لكنه يعزز من مكانة الحزب كحارس للمصلحة الوطنية.
ومع اقتراب موعد المؤتمر، يصبح من الضروري أن تتحمل وزارة الداخلية مسؤوليتها القانونية وتطلق الاعتمادات المالية المستحقة، ليس فقط من أجل حزب العدالة والتنمية، بل من أجل احترام مبادئ الديمقراطية والشفافية.
لكل ما سبق ذكره، يظل مؤتمر العدالة والتنمية رمزًا للإرادة الشعبية التي لا تلين أمام التحديات، إنه احتفال بالديمقراطية الحقيقية التي يمولها المواطنون أنفسهم، بعيدًا عن الاعتماد المطلق على دعم الدولة، فالمؤتمر ليس مجرد محطة تنظيمية، بل هو رسالة قوية مفادها أن حزب العدالة والتنمية سيظل صوت المغاربة الأحرار، مهما كانت العراقيل. ومع كل مساهمة مالية من مناضل أو متعاطف، يتجدد الأمل في مغرب يسوده العدل والتنمية، مغرب يستحقه كل مواطن.

شاهد أيضا
شارك برأيك

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.