محمد عصام
غريب ما يقع في هذا البلد!!
حزب سياسي يقبع في ذيل ترتيب الأحزاب الممثلة في البرلمان، ولا يتوفر إلا على مجموعة نيابية من 13 عضوا، وتمثيلية ضعيفة في الجماعات الترابية.
ورغم ذلك، يصبح مؤتمره الوطني التاسع الذي سينعقد نهاية هذا الأسبوع ببوزنيقة، حديث الألسن إياها التي ألفت الولوغ في البركة الآسنة للشيطنة والوشاية والإفتراء والاستهداف.
فالمتتبع بما تقذف به تلك الكائنات التي لم يعد سرا اشتغالها بمنطق التعليمات وتوجيهات ” جهاز سامسونغ”، والتي لم تعد تخفي أو تستحيي من كشف اجتهادها وشطارتها في كراء فمها ليؤكل به الثوم، ستصدمه درجة الحقد والتحامل التي يكتب القوم من محبرتهما، وسيطرح أسئلة حارقة لماذا كل هذا الكد في الاشتغال بحزب قيل إنه انتهى وطويت صفحته بصفة نهائية؟
إن استحضار حزب العدالة والتنمية في كل النقاشات العمومية ليس منة من أحد، أو تفضلا من جهة ما، بل إن أداءه المتميز وإصراره على العمل والعطاء من كل المواقع المتاحة قانونا ودستورا، يجعلانه رقما عصيا في المعادلة وفي المشهد السياسي لهذا البلد، وهذا الأمر تؤكده الملفات الحارقة التي فجرها الحزب وكانت وما تزال قوت النقاش العمومي بامتياز، وهذه القدرة على خلق النقاش العمومي ليست متاحة لكل الأحزاب ولو امتطت قمة المشهد وتربعت على صدارته.
النقاش العمومي لا تصنعه الإمكانيات المادية أو التحكم المخدوم في الإعلام، بقدر ما يولد من رحم القضايا الحارقة والمصيرية التي تعني الشعب في قوته ومستقبله، وليس أيا كان قادرا على مكابدة مثل هذه القضايا، بل دعونا نكون صرحاء أكثر وبلغة المغاربة الباذخة، ليس بمقدور أي كان أنن تكون له ” الكبدة على البلاد”، وأن تكون له “الكبدة” بمعنى الشجاعة والجرأة في الاقتراب من مثل هذه الملفات، في زمن أصبح الكل تقريبا مجرد صوت مبحوح في كورال لا يردد إلا نغمة “العام زين” ويسبح بحمد من دانت له الألسن ولهجت بالثناء والمديح عليه آناء الليل وأطراف النهار.
حزب كهذا أكيد أن استحقاقاته التنظيمية ستكون في مرمى مدافع التبخيس والشيطنة المسكونة بفوبيا العدالة والتنمية وفوبيا ابن كيران أمينه العام.
أولا، لأن هذا الاستحقاق من حجم المؤتمر، يعد مؤشرا على قدرة الحزب على لملمة جراحاته بعد محطة شتنبر 2021، هذه اللملمة لم تكن سهلة أو هينة بحسابات السياسة وكلفة التنظيم، فالوضع الذي وجد فيه الحزب نفسه بعد تلك المحطة كان قريبا من لفظ أنفاسه وتفرق أهله شيعا وزمرا، وهو الحال الذي كان سيجد فيه أي حزب نفسه إن كان في مكانه، إلا أن تتداركه قوة منطلقاته وأصالة ومتانة مرجعيته ونضالية وتجرد أعضائه، وعليه فالقوم مستاؤون بل متذمرون أن يكون الحزب قد تخطى مرحلة القتل التي تريد إنهاءه، واستعاد جزء مقدرا من عافيته رغم بعض الندوب التي من الطبيعي أن ترافق مثل هذا الانبعاث.
ثانيا، لأن الحزب استطاع من خلال رحلته التحضيرية لمحطته التنظيمية هذه، والتي امتدت على ما يقارب سنة من التشاركية الفعلية داخل مختلف مؤسساته وهيئاته وبين أعضائه و “فائض” الشفافية مع الرأي العام الوطني، أن يبرهن على أنه نموذج فريد في تنزيل الديمقراطية والتشبع بها قولا وفعلا، وأنه قادر على احتواء تجاذباته الداخلية بقدر كبير من الاستيعاب ورحابة الصدر، في حين يعرف المشهد السياسي ضمورا في مثل هذه الممارسات المثلى، والكل ما يزال يتذكر مؤتمرات “التشيار بالطباسل” والمؤتمرات التي يدخلها البعض برأس واحدة ويخرج منها برؤوس ثلاث، ومؤتمرات المرشح الواحد صاحب “الإذن العلوي” الذي لا يناقش وهلم حضيضا.
من الطبيعي أن يتعرض حزب العدالة والتنمية ومؤتمره لهذا الاستهداف الممنهج، لأنه يمثل إدانة فاضحة للمشهد السياسي المسكون بالعلل المزمنة، فبقدر نصاعة نموذجه الديمقراطي تتضح بشاعة النماذج الأخرى المؤثثتة للمشهد، ولهذا يتم استخدام طابور الخدمة المؤداة من متعهدي “تنكافت والتطبيل” على المستوى الإعلامي، لاستهداف الحزب ومؤتمره.
فلاشيء يمكن أن يبرر هذا “الإسهال” الكلامي الموجه ضد محطة المؤتمر وضد الحزب، في سياق يشهد متابعات قضائية لنخب 8 من شتنبر آخرها متابعة كاتب مجلس جهة فاس مكناس، المنتمي للحزب الأزرق، بتهم تتعلق بتبييض الأموال والاتجار الدولي في المخدرات، وفشل هذه النخب حكوميا وترابيا في التدبير والوفاء بوعودها وبرامجها الانتخابية، وتفاقم الأزمة الاجتماعية ومؤشرات البطالة والتضخم والفساد وتضارب المصالح.
لاشيء يمكن أن يفسر هذا الوله “المرضي المزمن” بالعدالة والتنمية واستحقاقها التنظيمي، إلا كون القوم “مقيوسين ” إلى درجة “الهيجان والسعار” فأصبحوا يقذفون بأي شيء ليداروا خيباتهم وفشلهم الذريع في إيقاف الحزب وتحجيمه والتخلص منه.
ما يقع اليوم شبيه بمسيرة ولد زروال الشهيرة، التي أسقطها الشعب المغربي بذكائه ووعيه، واليوم أيضا، الرهان الحقيقي على هذا الشعب الذي يستطيع أن يميز بين الوجوه وأن يتصفحها بروية، وأن يقول كلمته الفاصلة حين تحين لحظة الحقيقة، وهي لحظة آتية لا ريب فيها ولو بعد حين، ولن تستطيع كل هذه “القيامة” من المال المشبوه والنفوذ ومراكزالاستقواء والإعلام المخدوم أن تؤجل وقت حلولها إلى ما لانهاية، وإن غدا لناظره لقريب