حزب العدالة والتنمية ومؤتمراته الوطنية.. ثلاثة عقود بين الخطاب التقليدي والتحول الرقمي

عبد النبي اعنيكر


على مدى أكثر من ثلاثين عامًا، شكّلت المؤتمرات الوطنية لحزب العدالة والتنمية المغربي مرآة لتطور الحزب من حيث أدوات التواصل والتفاعل، بدءًا من المؤتمر الوطني الثاني عام 1992 وصولًا إلى المؤتمر التاسع المقرر عقده يومي 26 و27 أبريل 2025 بمدينة بوزنيقة، في سياق يَعِد بنقلة نوعية على مستوى التكنولوجيا والاتصال الرقمي.

في البدايات، كانت المؤتمرات تُنظم بأدوات تقليدية تقتصر على الخطب المباشرة والمنشورات الورقية، في وقت لم تكن فيه شبكة الإنترنت قد بلغت سوى أقل من 0.1% من المغاربة. ومع تطور المشهد التواصلي، بدأ الحزب إدماج وسائل جديدة تدريجيًا، حيث شهد المؤتمر الرابع عام 2005 استخدام الإذاعات المحلية للبث، إلى جانب أولى محاولات التوثيق البصري للجلسات، فيما بلغ عدد المشاركين حينها نحو 800 عضو.

بحلول المؤتمر السادس في 2012، أصبح التفاعل الرقمي ركيزة أساسية في التنظيم؛ أُطلق موقع إلكتروني تفاعلي خاص بالمؤتمر، وتم توظيف مقاطع فيديو على منصات مثل “يوتيوب”، ما سمح بتوسيع قاعدة المتابعة خارج القاعة إلى آلاف المواطنين. كما ارتفع عدد المشاركين إلى حوالي 1,200 عضو، مع توظيف شاشات عملاقة داخل القاعات لعرض المداخلات والوثائق.

أما القفزة التقنية الأهم، فكانت مع المؤتمر الثامن سنة 2021، الذي انعقد في خضم جائحة كوفيد-19، حيث تبنى الحزب نموذجًا مزدوجًا بين الحضور الحضوري والمشاركة الافتراضية عبر منصات مثل “زوم” و”مايكروسوفت تيمز”، مع إدخال التصويت الإلكتروني لأول مرة. وقد شارك فيه نحو 2,500 عضو عن بُعد، وتابع فعالياته أكثر من 50,000 مشاهد عبر البث الحي على فيسبوك، في سابقة كرّست الطابع الرقمي للممارسة التنظيمية الحزبية.

هذا التطور التكنولوجي المواكب لمؤتمرات الحزب ما كان ليتحقق لولا الجهد المتواصل لقسم الإعلام والعلاقات العامة، الذي يتولى الإشراف على المنصات الرقمية من خلال الشركة المالكة “عدالة ميديا”، وهي الذراع الإعلامية التي تدير موقع الحزب الرسمي وتطبيقاته الرقمية. وقد عمل هذا القسم على تطوير المحتوى التفاعلي، وتحسين تجربة المستخدم، وضمان البث الحي عالي الجودة خلال المحطات الكبرى، مما أسهم في رفع سقف المتابعة الرقمية والانخراط الشعبي.

في نسخته التاسعة المنتظرة هذا الأسبوع، يُراهن الحزب على تكريس الريادة الرقمية من خلال توظيف تقنيات الواقع الافتراضي VR لعرض مضامين برنامجه السياسي، وتحليل التفاعل الجماهيري باستخدام مستجدات التواصل الرقمي، إلى جانب إطلاق تطبيق ذكي خاص بالمؤتمر يتيح المتابعة اللحظية، وتبادل الآراء بين الأعضاء والقيادة، وسط توقعات بأن يفوق عدد المتابعين الافتراضيين 100,000 شخص.

هذا المسار المتدرج في تبني التكنولوجيا لا يُعد فقط تحديثًا في الشكل، بل يُجسد تحوّلًا نوعيًا في علاقة الحزب ببيئته، مواكبًا التحول الرقمي الواسع الذي شهده المغرب، حيث ارتفعت نسبة استخدام الإنترنت من 1% سنة 1992 إلى 84% بحلول سنة 2023. وبهذا، لم تعد مؤتمرات الحزب مجرد لقاءات تنظيمية مغلقة، بل منصات مفتوحة تشتبك مع الرأي العام، بلغة العصر وبأدوات المستقبل.

شاهد أيضا
شارك برأيك

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.