محمد عصام يكتب: مؤتمر العدالة والتنمية .. قراءة في الوجوه

أنا بصدد قراءة بصيغة مختلفة، لا تتعقب الرسائل السياسية، ولا تستنطق الأوراق، ولا تتوسل لذلك كله أوبعضه بلغة جافة وعين ترصد الحاضر وتستشرف المستقبل.
إنها قراءة أخرى ربما رسائلها أعمق من السياسة وأقرب من التاريخ، إنها قراءة في قسمات مناضلين حقيقيين جاءوا من كل فج عميق يحملون بين أضلعهم حنينا لحزب اعتبروه جزء من كينونتهم .. من حاضرهم ومصيرهم، جاءوا ليتفقدوه فعلا هل تبقى منه ما يستحق أن يربطوا به مصائرهم ويسكونه للأبد وجدانهم.
جاءوا كلهم وهم شوق أن يستعيدوا حزبا طبع أعمارهم وحيواتهم، حتى إنهم لايتخيلون وجودا بدونه، فحملتهم الأشواق يطوون المسافات ويتسابقون في تمويل مؤتمرهم من حر مالهم، في رسالة لمن يهمه الأمر، أن هذا الكيان مختلف تماما عن كل ما يؤثت المشهد، إنه كيان يختزل وجود بُناته، الذين أودعوه أحلامهم وآمالاهم وسقوه بأعمارهم وبكل ما يملكون، إنه ليس مجرد حزب إنه فكرة عميقة تسكن الأفئدة والوجدان، وآمال وأحلام مشروعة ومشرعة على المستقبل.. مستقبل يسكن في صلبه وطن مشتهى.. وطن الكرامة والحرية والحقوق.. وطن يسع أبناءه كلهم ويتموضع بالمكان الذي يليق بتاريخنا وتمغربيت التي نسجنا حروفها ومعانيها عبر العصور.
صافحت الكثيرين والتقيت بوجوه نيرة، جمعتني وإياهم فكرة وحنين.. حلم وأمل،
وكان كل لقاء غامرا بالفرحة أننا ما زلنا هنا،.. ما زلنا على العهد والوعد.. وأن كل فخاخ السياسة ومؤمراتها لم تسقطنا في وحلها.. كل لقاء كان تعهدا لتلك الفكرة الأولى.. فكرة الانطلاقة والبداية .. والباقي كلها تفاصيل لا تعني أشياء كثير بالنسبة لنا جميعا، ما دام أن الفكرة التي كان سبب وجودنا ما زالت حية ترزق تؤتي أكلها كل حين بإذن ربها.
لم يكن يهم في لقاء الإخوة أن يكون الحزب متذيلا لترتيب الأحزاب في البرلمان أو أن تكون حصيلته صفرا في الجماعات، فتلك تفاصيل السياسة العابرة، لكن الأهم هو تعهد الفكرة بسقيا الأخوة والتواصي بالصبر وتجديد العهد على مواصلة الطريق ومكابدة آفاتها وإكراهاتها.
كان المؤتمر جوابا على إرادة ” إبادة” الحزب، وكان بليغا في بيناته، عميقا في معانيه، واضحا في رسائله.
إن إرادة ” الإبادة والقتل ” تلك قابلتها بكل ندية إرادة الإصرار على الحياة والبقاء ومواصلة المسير مهما كانت العقبات ومهما ادلهمت السبل.
هذا ما قرأته في قسمات الوجوه التي التقيتها، وجوه سعيدة يسكنها الفرح والانشراح، أنها وجدت الفكرة/ الحزب، ما زالت في كل ألقها، تجسدها تلك الوجوه التي عبَرت بها ما يقارب نصف قرن من الوجود والمكابدات..ونصف قرن من التضحيات والتي ما زالت مستمرة إلى اليوم.
لا أدري هل يفهم الناس ما معنى أن تلتقي بوجوه جمعتك معهم رفقة أربعين أو ثلاثين سنة، فرقتكم سبل الحياة، لكن ما زالت فكرة الانطلاق الأولى تجمعكم،.. تغير فينا كل شيء، وغزا الشيب رؤوس كثيرين، وفارقنا إلى رحمة الله من اختارهم للقياه، ولكن بقيت الفكرة صامدة، تجمع ولا تفرق.. تدل على الطريق وتعين على تحمل مكابداته وتصريف مشقاته بشغف وإصرار واحتساب أيضا.
إنها لحظات تاريخية بمعاني باذخة للأسف لن يفك شفرتها، إلا من  ارتوى من نبع الفكرة، في زمن تحولت فيه الأحزاب إلى دكاكين لتدوير المصالح والمكاسب، وإنتاج الإمعات ومحترفي الارتزاق والتكسب بالسياسة، وسلما للارتقاء الاجتماعي.
لم ألاحظ تذمرا يسوء ألق اللحظة، رغم أن جرح الثامن من شتنبر كان غائرا، وتداعياته ما زالت قائمة وجاثمة، لكن ما لا تخطئه العين ولاتخفيه القسمات، أن ذلك كله بوجعه وألمه صار من الماضي، وأن إصرار التجاوز والتخطي تفصح عنه أجواء العيد والفرحة التي تسكن كل جنبات المؤتمر وكل الوجوه.
فحي على العمل!!!

شاهد أيضا
شارك برأيك

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.