أكد الكاتب الصحفي يونس مسكين، أن المؤتمر التاسع لحزب العدالة والتنمية الذي انعقد في اليومين الماضيين، لم يكن مجرد مناسبة تنظيمية لتصفية أجواء داخلية، بل كان، لمن أمعن النظر ولم يكتفِ بملامسة السطح، عملية انبعاث جديد بكل المعاني الثقيلة لهذه الكلمة.
وشدد مسكين في افتتاحية موقع “صوت المغرب”، الاثنين، أن هذا المؤتمر بالضبط لا تليق به كلمة “ناجح”، لأن جل مؤتمرات الأحزاب السياسية تكون ناجحة حين تستكمل برنامجها ولا تسقط في معركة صحون طائرة أو كراسي متناثرة.
وأردف، لأن “العدالة والتنمية قفز بمؤتمره التاسع بتفوق حتى على نفسه، فوق هوة سحيقة كانت ستلتهمه وتحوله إلى رماد تذروه رياح السياسة والتاريخ”.
ونوه الكاتب بكل الرمزيات التي شهدها حفل الافتتاح الباهر، قائلا إن العقل الذي قام بصياغة الرسالة المراد تبليغها من خلال فعاليات الجلسة، أقل ما يمكن أن يقال يوصف به هو الدهاء، لأنه أنتج ضفائر دقيقة، نسجت من خيوط يحسبها البعض متعارضة أو متناقضة.
واسترسل، حيث العلم الفلسطيني رقص جنبا إلى جنب مع العلم المغربي، وكل من الدراعة والملحفة الصحراويتان بصمتا المشهد جنبا إلى جنب مع الجلباب المغربي والبذلة العصرية، والأناشيد والهتافات الدينية رافقتها أغان طربية وأخرى راقصة دون تفريط في المعنى… هكذا كان بالإمكان مشاهدة الشيخ السلفي الحسن الكتاني يجلس أمام أعضاء مجموعة السهام وهي تضرب الدفوف، وتنصت إلى خطابات فلسطينية من الضفة والقطاع.
وتابع، أما عن التجديد لابن كيران، فهذا هو أبرز مؤشرات نجاح المؤتمر، ليس لأن الرجل خارق أو ضروري أو لا بديل عنه، بل لأن منطق الأشياء يقتضي أن المؤتمر تتويج لمسار وليس بداية، والاختيار الذي قام على دعوة ابن كيران للعودة وتسلّم مقاليد تدبير الحزب عقب النكسة الانتخابية والتنظيمية للعام 2021، نجح وبتفوّق كبير، ليس لأن الحزب عاد إلى صدارة المشهد السياسية أو الانتخابي، بل لأنه أثبت أنه قادر على البقاء، ومن لا يدرك أن سؤال البقاء كان مطروحا على هذا الحزب بعد هزيمة 2021، عليه أن يراجع أوراقه.
وشدد مسكين أن الوصفة التي تم تجريبها منذ 2022 نجحت في استعادة، ولو نسبية للثقة، ورصّ الصفوف، والقيام بمناورات انتخابية ناجحة في الانتخابات الجزئية، عندما أصبح الحزب الثامن رسميا يواجه ثلاثي الأغلبية المتحالف والمسنود والقوي بالمال والأعيان. والقول المأثور يفيد أن المرء لا يغيّر فريقا ناجحا.
واعتبر الكاتب أن النجاح الأساسي والأهم الذي حقّقه حزب “المصباح” في مؤتمره التاسع لا يكمن في انتخاب قيادته، ولا تعزيز صفوف أمانته العامة باسم من القيادة التاريخية هو محمد يتيم، أو من قيادة المرحلة السابقة مثل محمد أمكراز، ولا احتفائه الكبير وبفلسطين وقضيتها، في عملية “تطهير” جديدة للذات الحزبية من خطيئة توقيع اتفاقية التطبيع… بل إن النجاح الأساس والأهم هو إحياء الآلة التنظيمية.
وأردف: “لقد خرج العدالة والتنمية من مؤتمره التاسع مثلما يخرج المصباح من عتمة التيه، مضيئا من جديد في زمن يتسابق فيه الجميع إلى الانطفاء”.
وأضاف: “قد يختلف المتابعون حول التفاصيل والوجوه والكواليس، لكن المؤكد أن المصباح اليوم لا يضيء فقط لأنه اشتعل، بل لأنه استعصى على الرياح التي هبت لإطفائه. وهذه، وحدها، قصة سياسية تستحق أن تُروى”.