في زمن التحولات العميقة التي تشهدها الساحة السياسية المغربية، تبرز تجربة حزب العدالة والتنمية كحالة مميزة لفهم ديناميات الانتماء الجماعي والصمود النفسي أمام الأزمات.
انطلاقا من مقاربات علم النفس الاجتماعي و علم النفس السياسي , يمكننا الإضاءة على كيفية اشتغال الحاجات النفسية العميقة، والآليات الجماعية في دعم استمرارية المشروع السياسي، ولو في سياق التراجع والانكسار.
الحاجة إلى الانتماء (besoin d’appartenance)، كما توضحها نظريات علم النفس الاجتماعي، تتجاوز كونها مجرد دافع غريزي، لتصبح في التجربة الحزبية التزاماً معنوياً ومشروعاً وجودياً فتنتقل بذلك الحاجة إلى الانتماء من الغريزة إلى الالتزام الواعي.
بالنسبة لمناضلي العدالة والتنمية، لم يكن الانتماء للحزب خيارا سياسيا بحتا، بل كان شكلا من أشكال تحقيق الذات الجماعية (réalisation de soi collective).
هذا الانتماء مثّل أرضية صلبة لمقاومة الإحساس بالعزلة والانهيار أمام التحولات المفاجئة، مما يعكس مرونة نفسية une résilience psychique لافتة.
و استئناسا بمفهوم سيكولوجية الجماهير (psychologie des foules)، تظهر التجمعات الحزبية، خصوصا أثناء المؤتمرات، بمثابة ممارسات علاجية جماعية (pratiques thérapeutiques collectives) حيث ، ينشط الإحساس بالاستمرارية والهوية المشتركة حين يلتقي المناضلون ببعضهم البعض.
الهتافات، الشعارات، والاحتفاء بالرموز ليست مجرد طقوس فارغة، بل أدوات نفسية لاستعادة الشعور بالفاعلية و محاولات لإعادة تشكيل الأمل رغم مرارة الواقع.
الانتماء إلى الجماعة يقتضي تفعيل مجموعة من الآليات الدفاعية الجماعية بهدف تحصين الهوية السياسية من الانهيار:
كالإنكار البناء ( le déni constructif): تجاهل بعض مظاهر الفشل المرحلي للتركيز على الأفق المستقبلي.
التبرير الإيجابي ( la rationalisation positive): إعادة تفسير الهزائم ضمن سردية الاختبار والنضج السياسي (maturité politique).
الإسقاط التحفيزي ( la projection motivationnelle): تحميل المسؤولية للعوامل الخارجية لا للهروب من الفشل، بل لتحفيز الذات على مزيد من العمل.
هذه الآليات، بدل أن تقرأ حصرا كمؤشرات دفاعية نفسية، تعكس قدرة نفسية على التحول من الإحباط إلى المقاومة، صحيح لا يمكن إنكار أن بعض المناضلين يعيشون صراعات داخلية صامتة بين خيبة الأمل والولاء للجماعة غير أن الجماعة، كحاضنة نفسية، توفر للفرد إمكانية تجاوز الإحساس بالفشل عبر الانخراط في مشروع جماعي أوسع، يعطي لمعاناته معنى جديد.
إن محاولة فهم سلوك مناضلي العدالة والتنمية في ضوء علم النفس ، يقتضي استحضار الأدبيات الأساسية التي تناولت دينامية الجماعات والهويات السياسية،
و في هذا الصدد، نجد أن أعمال لوبون (Le Bon ) شكلت تأسيسا أوليا لفهم كيف تذوب شخصية الفرد داخل الجماعة تحت تأثير العاطفة المشتركة، مما يفسر الطابع الانفعالي لمؤتمرات الحزب.
هنا، يظهر كيف أن المناضلين يعيدون تأطير الهزائم ضمن تصور جماعي قيمي يعزز تماسكهم الداخلي.
ختاما يمكننا القول إن سلوك مناضلي العدالة والتنمية ليس انغلاقا مرضيا، بل هو شكل من المقاومة النفسية والسياسية ( une résistance psychopolitique) التي تعيد عبرها الجماعة/الحزب ترميم توازنها الداخلي، وتبحث من خلالها عن أفق جديد لإثبات الذات.
إن الاعتراف بهذه الأبعاد يمكن أن يثري الفهم العلمي للحركات السياسية، بعيدا عن التبسيط أو التشويه.
رابط المشاركة :
شاهد أيضا