البردعي: ضعف الحكومة وفشلها في الوفاء بوعودها الانتخابية في التشغيل وتوفير مليون منصب شغل خلال برنامجي “أوراش” و”فرصة”

ونحن مقبلون على الاحتفال باليوم الأممي للشغل لا يمكننا إلا أن نطرح تساؤلا هو هل استطاعت هذه الحكومة أن تستجيب لحاجيات الشغيلة المغربية ولحاجيات الشباب المتمثلة أساسا في مطلب التشغيل؟ فبعد أن رفعت في برنامجها الحكومي السقف ووعدت بتوفير مليون منصب شغل. بل ذهب أحد رموزها إلى حد دعوة المواطنين إلى رجمها بالحجارة إذا لم تستجب للوعود.
كما وعدت برفع سقف تشغيل النساء إلى 30%. لكن ها هي ولايتها تشرف على النهاية لترتفع نسبة البطالة إلى أرقام قياسية وغير مسبوقة تصل حد 21% . رقم كارثي يصدر عن المندوبية السامية للتخطيط. وليس عن جهات غير رسمية، فهذا الرقم ليس بالهين ويدق ناقوس الخطر بقوة لعل هذه الحكومة تستفيق.
في لحظةٍ كان فيها الشباب المغربي في أمسِّ الحاجة إلى الثقة في المؤسسات، وفي السياسات العمومية، بشّرت الحكومة الحالية ببرامج تحمل عناوين فضفاضة من قبيل “أوراش” و”فرصة”، كجزء من ردّها على أزمة البطالة وتآكل الأمل لدى فئات عريضة من المجتمع. غير أن الواقع، وكما تؤكده التجربة الميدانية، يكشف عن بون شاسع بين الوعود والخطابات من جهة، والحصيلة الفعلية من جهة أخرى، وهو ما يطرح سؤالًا سياسيًا صارخًا حول مدى أهلية هذه الحكومة في الوفاء بالتزاماتها المجتمعية، والقدرة على ابتكار حلول واقعية وعادلة لمشاكل الشباب المغربي.
جاء برنامج “أوراش” في سياق الأزمة الوبائية ليقدّم وعودًا بتوفير 250 ألف فرصة عمل، على أساس شراكات محلية، وعقود مؤقتة لمدة 6 إلى 9 أشهر. لقد تم تشغيل آلاف الشباب في قطاعات مختلفة، أغلبها موسمية مؤقتًا في إطار هذا البرنامج، لكن ما حدث بعد نهاية هذه العقود كشف زيف الوعود: فقد تم توقيف الشغل دون أي إدماج حقيقي، ووجد المستفيدون أنفسهم مجددًا في براثن البطالة، دون استمرارية في التغطية الصحية أو الاجتماعية. الأسوأ من ذلك، أن كثيرين فوجئوا بمطالبتهم بتحمل واجبات الانخراط في صندوق الضمان الاجتماعي بعد انتهاء العقود. مما ضاعف حجم المعاناة لديهم.
من جهة أخرى، رُوّج لبرنامج “فرصة” كآلية لدعم الشباب حاملي المشاريع، وتم الترويج له كدعم غير قابل للاسترجاع، أو على الأقل كتمويل ميسر محفوف بالمرونة. لكن ما جرى لاحقًا كان صادمًا: تأخر في صرف التمويلات، غياب في المواكبة، ثم تهديد بالمتابعة القضائية للذين تعثروا في أداء الأقساط، بل ووجد البعض أنفسهم مهددين بالسجن بسبب التزامات تعاقدية لم تكن واضحة أو عادلة من الأساس مما جعل هذا البرنامج مجرد من أية مصداقية ولا يضمن تكافؤا للفرص. فقد طغت عليه روح المحاباة وكذا الزبونة والمحسوبية.
إن ما يجمع بين تجربتي “أوراش” و”فرصة” هو أنهما تحوّلا من أدوات لتحقيق الإدماج الاجتماعي والاقتصادي، إلى أدوات تضاعف من فقدان الشباب للأمل في المؤسسات وكذا تآكل ثقتهم في الدولة. فالحكومة التي رفعت شعار الدولة الاجتماعية قد فشلت في توفير الشغل للشباب وجففت المنابع من خلال تركيزها على تلبية حاجيات الأوليغارشية وتهميش مطالب فئات عريضة من المجتمع، حكومة غير قادرة على السير بورش الحماية الاجتماعية إلى بر الأمان دون اللجوء إلى الاستدانة وتحويل الاعتمادات، بل والإضرار بفئات واسعة من المجتمع بدل حمايتها. لقد فشلت الحكومة في الوفاء بوعودها، وارتبكت في التنفيذ، وغابت عنها روح العدالة الاجتماعية في التعامل مع الفئات الهشة. والأسئلة اليوم لا تتعلق فقط بالتقنية والميزانيات، بل بمسؤولية سياسية كاملة: من يحاسب الحكومة على خيبات شبابها؟ من يحمي المواطن من وعود تُطلق في الهواء، ثم يُطالَب هو وحده بتحمل نتائجها؟
فاذا كانت الحكومة قد فشلت في تدبير ملف التشغيل فان برنامجا “أوراش” و”فرصة” لم يكونا فرصة ولا ورشًا حقيقيًا بل هو تعبير عن محدودية في الرؤية واستغلال مطالب قاعدة شعبية واسعة في مساعي انتخابية.
لقد أصبحا مرآةً عاكسة لارتباك حكومي، ولسياسات أقرب إلى التجميل الظرفي منها إلى بناء حلول مستدامة. والمطلوب اليوم ليس المزيد من التسويق السياسي، بل تقييم شامل ومحاسبة شفافة تعيد الاعتبار لثقة الشباب في مستقبلهم، وفي من يزعمون تمثيلهم. فشبابنا هم مستقبلنا وتضافر الجهود هو المطلوب وليس البرامج الهشة والمرحلية يمكن أن تحل المعضلة.
إن هذا الوضع لا يمكن أن يستمر، على الحكومة أن تدرك أن مسار التنمية لا يصنع بالشعارات والمحاباة، وأن الرهانات الاجتماعية لا تُكسب بالتصريحات الإعلامية، بل بالقرارات الجريئة، والوفاء بالعهد، والاقتراب الحقيقي من نبض المجتمع على قدم المساواة

شاهد أيضا
شارك برأيك

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.

عاجل

أوراق إيران الرابحة وحماقة إسرائيل وأميركا