اعنيكر يكتب: أخنوش والثقة المزعومة.. بين خطاب الواقع وخداع الصورة

عبد النبي اعنيكر


في أحدث خرجاته من مدينة الداخلة، صرّح رئيس الحكومة عزيز أخنوش أن حزبه ما يزال يحظى بثقة المغاربة لأنه “لا يكذب عليهم”، تصريح لم يخلُ من الاستفزاز، خاصة في ظل الوضع المتأزم الذي تعيشه البلاد اقتصاديًا واجتماعيًا.
هذا الخطاب لم يعد يقنع أحدًا، بل يعكس، هو استمرار لسياسة التضليل التي اعتادها أخنوش وفريقه الحكومي، حيث يتم تسويق صورة وردية بعيدة كل البعد عن الواقع الملموس الذي يعيشه المواطن يوميًا في مواجهة الغلاء والتهميش وتدهور الخدمات.
بعيدًا عن الشعارات، تظهر الحقائق الموثقة أن هذه الحكومة لا تتوانى عن توظيف إمكانيات الدولة لخدمة أجندتها الحزبية، في استغلال سافر وغير أخلاقي للمال العام. فقد عاينت عدسات الإعلام، وأكدت مصادر متعددة، كيف تمّ استخدام سيارات الدولة بشكل مكثف لنقل مشاركين في لقاء حزبي محض، في انتهاك صارخ لمبدأ فصل العمل الحكومي عن الأنشطة الحزبية. هذا الاستغلال البشع يعكس حالة استخفاف واضحة بالقوانين ويكشف نوايا غير بريئة لاستعمال النفوذ لترسيخ موقع الحزب انتخابيًا على حساب المال العمومي على غرار قفف “جود”.
الأدهى من ذلك، أن العديد من المواطنين الذين يشتغلون في مؤسسات صناعية مملوكة لكبار مسؤولي الحزب ذاته، وجدوا أنفسهم مرغمين على حضور اللقاء الحزبي بزيّ صحراوي تقليدي، بهدف إضفاء طابع شعبي على الحدث وتصويره على أنه يحظى بإجماع واسع.
هذه الممارسات الفجة، التي تم توثيقها وانتشرت على نطاق واسع في وسائل الإعلام ومواقع التواصل الاجتماعي، فضحت زيف الخطاب الرسمي لحزب “الحمامة” وكشفت عن وجه آخر لحزب لم يعد يخجل من استغلال موقعه السياسي لفرض الحضور الشكلي والتلاعب بالرأي العام.
الفرق الجوهري يظهر بوضوح حين نقارن هذه الممارسات بما قام به حزب العدالة والتنمية خلال مؤتمره الوطني التاسع، الذي تم بث جميع فقراته بشكل مباشر، باستثناء فقرة التداول الداخلية، في مشهد يعكس احترامًا حقيقيًا للمغاربة وحرصًا على الشفافية. أما الحزب الذي يقود الحكومة اليوم، فهو يصرّ على “منتجة” لقاءاته وكلماته، منتقيًا بعناية المقاطع التي تخدم صورته في حين يحجب أي مشاهد أو نقاشات قد تفضح هشاشة الأداء وتكشف تناقضاته.
المغاربة اليوم، الذين يعيشون مرارة يومية بفعل الارتفاع المتواصل للأسعار وتراجع الخدمات، لم يعودوا بحاجة لمن يبيعهم الوهم أو يكرر على مسامعهم أسطوانة مشروخة عن الثقة والصدق لأنهم ببساطة يدركون تمامًا واقع السياسات الحكومية، ويعاينون بأم أعينهم كيف تُستخدم مؤسسات الدولة ومقدراتها لخدمة أجندات حزبية ضيقة، في تجاوز صارخ لكل معايير النزاهة والشفافية.
خلاصة القول، إن حكومة أخنوش مطالَبة بالكف عن أساليب التضليل والتزييف، والالتفات بدلًا من ذلك إلى معالجة الأزمات الحقيقية التي تقض مضجع المواطنين لأن التاريخ لا يُكتَب بالتصريحات الفضفاضة ولا بالتجميل الإعلامي، بل بأثر السياسات على أرض الواقع، وهو واقع اليوم لا يحتاج إلى كثير من الشرح ليكشف حجم الفشل والإخفاق، فالمغاربة أذكى من أن تنطلي عليهم هذه الأساليب، وهم وحدهم أصحاب الكلمة الفصل.

شاهد أيضا
شارك برأيك

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.