الكبيري يكتب: المناضل الحقيقي والمناضل الكومبارس

محمد الكبيري


سياسة الكومبارس أو قل “الدور البديل”، من المفاهيم الجديدة التي أنتجتها الساحة السياسية المغربية، هذه حالة تنطبق على عدد من السياسيين الذين يراد ترميزهم والمناضلين الذين يؤتى بهم لتأثيث أنشطة بعض الأحزاب، في الوقت الذي تفاجأ فيه الكثير من المتتبعين لمستوى التعبئة والاستجابة التي لاقاها نداء الأمين العام لحزب العدالة والتنمية الأستاذ عبد الإله ابن كيران في صفوف مناضلي ومناضلات ومتعاطفي ومتعاطفات حزبه، لجمع مساهمات مالية لتغطية مصاريف المؤتمر الوطني التاسع للحزب، بعد عدم تلقي الحزب للدعم المالي للمؤتمر من طرف وزارة الداخلية.
لقد وصل سخاء بعض المناضلين إلى المساهمة بكل ما يملك ولو ب 71 درهما، حتى أنه لم يبخل ولو بذلك الدرهم على حزبه… هكذا أعطى مناضلو ومناضلات العدالة والتنمية والمتعاطفين معه درسا بليغا في الوفاء لمشروعهم الإصلاحي وثقتهم في قيادتهم، وهذا ما عكسه النجاح الباهر للمؤتمر الوطني التاسع الذي مر في جو ديمقراطي عز نظيره في تاريخ الأحزاب المغربية.
في المقابل مازلنا نسمع عن حكايات إحضار عمال وفئات مختلفة لنشاط حزبي بمقابل مالي في مشهد يجعلنا نطرح سؤال العلاقة بين السياسي والكومبارس؟
الكومبارس بالإيطالية comparse هو ممثل “زائد”، يلعب دورًا ثانويًا في عرض فني، لا يظهر له أهمية كبيرة ملحوظة، إلا أنّه غالبًا ما يساعد على خلق مناخ طبيعي للقصة، هؤلاء الكومبارس ليسوا أكثر من شرار يزيد الحطب اشتعالاً، فعقولهم مقفلة ومغلقة على ما ارتكزوا عليه ولا يملكون القدرة بعد ذلك على القبول بما يخالفهم أو حتى الاستماع إليه لذا يكتفون بالتطبيل والتشجيع لمن يتطوع منهم في أن يمسي “المحاور” عن فكرته السامية، فالهدف الوحيد من وجودهم هو أنهم يحيون جذوة التشجيع لأنهم كائنات هامشية في مجال الفكر والعقل ولا محل لها سوى “المدرجات” الجانبية.
إن السياسي الذي ينصب نفسه للعب دور أعد له سلفا والبطولة فيه لغيره ويكتفي هو بترديد ما حفظه كالببغاء غايته الربح المادي فقط، أما الحضور المعنوي فلا وجود له، ليست له ملكة التفكير، ولا موقف سياسي ذاتي ولكن هناك إرادة الإتباع فقط للأوامر ولمن أوصلوه إلى المنصب، فإن كان هؤلاء ظاهرًا أصحاب ثقافة أو علم إلا أنهم في الباطن مجرد ببغاوات تحفظ ولا تعقل
للأسف الشديد أصبح دور الكومبارس يغري ساحتنا السياسية، فلكي تصبح مناضلا لا بد أن تتوفر فيك مواصفات الكومبارس، فيمدونك بكل أنواع الدعم – هم جهات خارجية على حد تعبير الزايدي رحمه الله من خارج الحزب لا من خارج الوطن .
الغريب في لعبة الكومبارس المغربية – بطبيعة الحال في إطار الاستثناء المغربي- أن الأدوار مقلوبة، فالكومبارس في السينما هم الممثلون المغمورون الذين عادة ما يبحثون طوال مشوارهم عن أدوار تخرجهم إلى النور وتصعد بهم إلى أبواب المجد والشهرة، فهم فئة هامشية وثانوية لا يلتفت لها أحد على الرغم من حاجة الفن إليهم، لكن في مشهدنا السياسي الأبطال الحقيقيون يتوارون عن الأنظار والكومبارس هم من يظهر في الواجهة ويتقمصون دور البطولة، فأصبح الحال قريب من مشاهد “الكاراكيز” أو الدمى المتحركة التي يحركها غيرها.
السؤال الآن إلى متى سيحتل هؤلاء الكومبارس مساحة مهمة من مجال النضال في السياسة المغربية؟ ومتى سيظهر الأبطال ويصرحون بما يضمرونه للشعب وللوطن من مخططات؟ ومتى ستتحول السياسة في بلدنا من مجرد “عرض مسرحي بئيس” لا يغري غالبية الشعب بمتابعته فيعرضون عنه، إلى حقيقة توجه الناس ويكون معها أفراد الشعب أقرب إلى الصلاح وأبعد عن الفساد والريع والانتهازية والممارسة السياسوية الضيقة؟

شاهد أيضا
شارك برأيك

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.