الشرقاوي عن لقاء “الحمام” بالداخلة: سيناريو تمت كتابته بمنطق الخيال العلمي وبهرجة هوليود

محمد الشرقاوي


اعتقد مهندسو الخطاب وتلميع الصورة أنهم يجمعون المجد من طرفيه بعدما تفتّقت قريحة “ألمعيتهم” بتركيب مشهد “قفة رمضان”، بإخراج جديد: عقد مؤتمر الحزب في مدينة الداخلة، وتأثيث الحاضرين بارتداء “الدراعة” والملحفة”، ومحاولة الاستفراد بخطاب “صحراوي” رمزي، بموازاة أحزاب وطنية عتيدة لا تنحو منحى انتقائيا في الجغرافيا السياسية للمغرب، ولا تتبنى توظيف رموز ثقافية بعينها ضمن قناعتها بمغرب التعدد والتكامل.
جاءت جلسات المؤتمر وإخراجها مضمونا وشكلا باهتة غير مقنعة من شدة الافتعال والتصنّع وإسقاط سرديات “مسار الانجازات” بشكل غير واقعي. حضرتْ لمسة الاقتباس وحتى السرقة في الإخراج من مشاهد المؤتمرات القومية للحزب الجمهوري في الولايات المتحدة. وتكمن إحدى هذه السرديات البرّاقة في أن الحزب “لا يقبل وجود فقراء في المغرب”!.
هذه أمّ السرديات المضلّلة نظرا لأن القدرة الشرائية لدى المغاربة ضعُفت، والطبقة المتوسطة اضمحلت، وارتفاع أسعار الوقود لا يزال في العلالي وإن تراجع سعر النفط في الأسواق العالمية. وتبين أن أعضاء هذا الحزب، سواء في الحكومة أو البرلمان أو المجالس الجماعية، هم من يكرّسون سياسة الاحتكار والاستغلال، ومنهم أكبر عدد من الملاحقين قضائيا مقارنة مع بقية الفاسدين في الأحزاب الأخرى.
لا يستطع زعيمهم التملص من حقيقة أن “أخنوش رئيس الحكومة” هو من يتوافق مع “أخنوش المستثمر والمضارب” في الصفقات الضخمة بلا مناقصات حقيقية مع الشركات المغربية أو الأجنبية. باختصار، هي حكومة تصريف الأعمال وتحوير الصفقات وتطبيع الأخنوشية المتجددة في مسعاها للثراء السريع واغتنام الظرفية السياسية.
عندما يلوّح أخنوش بالقول: “الإنجازات اللي دارت في ربع سنين ما عمرها دّارت… الحكومة جابت الثقة عند المواطنين وخدات قرارات شجاعة”، فهو يبتلع لسانه في الحال من شدة الفرق الشاسع بين المخيال الكاذب لديه والواقع التأكيدي لمحنة جل المغاربة الذين أصبح نضالهم اليومي هو كسب قوتهم ووضع كسرة خبز على موائد أبنائهم.
قد يكون من التمنّي بطريق السهو أو التخيل بأعراض الانفصام عن الواقع أن يقول أخنوش: “المواطنين باقين باغين الأحرار لأنه على الأقل ما كنكدبوش!” يُخيّل لمن تحدث في المؤتمر من سحرة فرعون ومهرجي السيرك أنهم “لا يكذبون”، وهم في مسعاهم جادّون لنفخ ما لا يتوفّر في قائدهم من سجايا سياسية وفضيلة أخلاقية.
يبقى أخنوش قناص صفقات متتالية أو Un chasseur de primes ليس بحثا عن فدية لقاء احتجاز المجرمين، بل نحو توالد وجني صفقات أخطبوطية بعضها يسبح في الماء للتحلية، والآخر يُشحن بتوزيع الكهرباء، وقريبا صفقة توزيع الأوكسيجين إلى المغاربة المخنوقين في صدورهم وغمامة الضيق في أرواحهم.
لم ينتبه أخنوش أو مهندسو الخطاب وتلميع الصورة للحزب في بداية صيف 2025 أن حملات الترويج تستدعي بعض الكياسة والتريث نظرا لأن الشيء إذا زاد عن حده انقلب إلى ضده. غادر الحاضرون وابتعد المتابعون لجلسات المؤتمر وفي خلدهم سؤال رئيسي: ماذا يحقق الحزب الآن باتجاه انتخابات 2026 والحلم العالق ب”حكومة المونديال”؟
باختصار، جسد المؤتمر ارتجالية غير مدروسة تقوم على الصخب والحماسة والتصفيق بفعل إبهار الصور وبعض العبارات الرنانة. وتبدو بصمات من صنع فرنكشتاين ماثلة عليه بسبب الافتعالية والتمطيط في سيناريو تمت كتابته بمنطق الخيال العلمي وبهرجة هوليود، أكثر من خطاب وطرح مستمدّين من حقيقة هذه المرحلة في ضوء أداء مهندس “المغرب الأخضر” عفوا البني، ورئيس حكومة إنجازات تملأ جيوب القلة وتزيد في فقر الأغلبية.
ملاحظة: كان من الأجدى بمنظمي المؤتمر الاستعانة بخبراء الطب النفسي المتمرسين في علاج انفصام الشخصية والخطاب لتقديم علاج استباقي لمتلازمة سكيزوفرينا والكذب وتصديق الذات قبل صعود جل المتحدثين إلى المنصة.

شاهد أيضا
شارك برأيك

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.