بيبوط: ساكنة تندوف تشهد تحولا جذريا في الوعي الجماعي ضد قيادة جبهة البوليساريو

أكد دداي بيبوط، الباحث في التاريخ المعاصر والحديث، أن السنوات الأخيرة تشهد تحوّلا جذريا في ذهنية فئات متزايدة من الصحراويين القاطنين بمخيمات تندوف وفي دول المهجر، ممن كانوا في السابق يناصرون جبهة البوليساريو سواء في السر أو العلن.
واعتبر بيبوط في تصريح لـ pjd.ma أن “هذا التحول لم يعد مرتبطا بحالة مزاجية عابرة أو استياء مؤقت ناتج عن سلوك فردي لمسؤول في الجبهة أو جهة أمنية، بل أصبح تعبيرا عن وعي جماعي متصاعد بحجم المأساة وبضرورة التغيير”.
وأكد بيبوط أن “الانتهاكات الجسيمة داخل مخيمات تندوف ليست وليدة اليوم بل تعود إلى عقود مضت، وقد تستمر ما لم تخضع المخيمات لضوابط القانون الدولي ويتم تصحيح المركز القانوني للصحراويين المحتجزين فيها، الذين لا يتوفرون حتى على الحد الأدنى من الحق في التنقل”.
وشدد على أن “هذه الوضعية تفرض تدخلا دوليا مستعجلا من أجل إلزام الجزائر بتحمل مسؤولياتها القانونية، وتعزيز وعي الساكنة المحلية بضرورة التعبير العلني عن معاناتها اليومية وتطلعاتها نحو آفاق أرحب تضمن حقوقها تحت إشراف أممي ودولي بعيدا عن أي وصاية”.
وأشار المتحدث ذاته إلى أن استمرار جبهة البوليساريو لنحو نصف قرن دون أي تغيير داخلي، مردّه إلى القبضة الأمنية الجزائرية المحكمة على المخيمات، لافتا إلى أن “كل محاولات التجديد أو فتح النقاش الداخلي كانت تصطدم بجدار الصمت والتضييق؛ وهو ما تجلّى في أحداث عنف سابقة كأحداث سنة 1988، أو خلال مؤتمرات الجبهة وتشكيل أمانتها الوطنية؛ إذ يستحيل تصور وصول شخصيات مستقلة أو منتقدة إلى مواقع المسؤولية”.
وذكر الباحث السياسي والأكاديمي أن “إعادة تنصيب إبراهيم غالي على رأس التنظيم، مع إقصاء وجوه قيادية لم تعد تحظى بثقة القيادة، يؤكد هذه المعادلة الأمنية المتحكمة في تفاصيل المشهد داخل المخيمات وخارجها”.
وأوضح أن هذه التناقضات البنيوية في تدبير شؤون المخيمات، وفي طبيعة العلاقة بين البوليساريو وسلطات الدولة المضيفة، أدّت إلى بروز حالة من القلق داخل التنظيم نفسه، وأسهمت في صعود أصوات رافضة للمنطق الذي تدار به الأزمة.
وسجل أن من بين أبرز هذه الأصوات، حركة “صحراويون من أجل السلام”، التي عبّرت في مؤتمراتها المنعقدة بإسبانيا والسنغال عن رغبتها في كسر الجمود وفتح قنوات اتصال مباشر مع المغرب، بحثا عن تسوية سياسية تنهي معاناة آلاف المحتجزين في تندوف.
ونبه الباحث ذاته إلى أن تكرار مثل هذه المواقف الرافضة، سواء داخل المخيمات أو في المهجر، يعكس حجم القطيعة التي بدأت تتشكل بين الأطر الصحراوية الشابة وتنظيم البوليساريو، الذي أصبح، “رهينة منطق عبثي تُسيّر به المخيمات، وتُؤبَّد به معاناة السكان في أرض لا تضمن لهم شروط الكرامة والعيش الكريم”.
كما نوّه بيبوط إلى أن الغضب العام داخل المخيمات لم يترجم إلى مجرد دعوات للنقاش، بل تبلور في مقترحات ملموسة، من بينها تنظيم استفتاء شعبي لساكنة المخيمات حول مشروعية القيادة الحالية للبوليساريو؛ وهي مبادرة تسعى إلى تجاوز أسطوانة “الشرعية الثورية” التي تتذرع بها الجبهة منذ عقود.
ونبه إلى أن “الأصوات الداعية لهذا المسار لا ترى إمكانية حقيقية لتنفيذه إلا من خلال عقد مؤتمر استثنائي قبل شهر شتنبر المقبل، يُدار بقواعد جديدة ومغايرة لما تم فرضه خلال مؤتمر سنة 2020”.
واعتبر أن زخم هذا الحراك يعكس تحولا نوعيا في وعي سكان المخيمات، لا سيما مع تزايد الأحداث المأساوية، من حوادث قتل لمدنيين صحراويين على يد الجيش الجزائري، وانفلاتات أمنية متكررة داخل المخيمات، واستمرار مسلسل الانتهاكات الحقوقية منذ تأسيس المخيمات، وهو ما يشير بوضوح إلى استفحال الأزمة، وعجز قيادة الجبهة عن تقديم أي مخرج دائم ومستدام لمعاناة المحتجزين، في ظل تحكم أجهزة الجيش الجزائري في القرار السياسي والتنظيمي.
وشدد بيبوط على أن هذه الدينامية الرافضة داخل المخيمات ليست لحظة عابرة، بل تحمل في طياتها ملامح ثورة حقيقية ضد أيديولوجيا البوليساريو التي حكمت حياة الصحراويين لعقود.
وخلص إلى أن “تصاعد الاحتجاجات وارتفاع منسوب الغضب قد يفتحان الباب أمام قبول أوسع للمقترح المغربي المتعلق بالحكم الذاتي، باعتباره خيارا واقعيا لتسيير شؤون الأقاليم الجنوبية في إطار سيادة المغرب، وإنهاء المشروع الانفصالي الذي لم يورّث الصحراويين سوى الألم والتبعية، في وقت يتزايد فيه الدعم الدولي للمبادرة المغربية، ويُسجّل فشل الجزائر والبوليساريو في الانخراط الجاد في أي مسار سياسي حقيقي ينهي هذا النزاع المفتعل”.

شاهد أيضا
شارك برأيك

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.