عبد النبي اعنيكر
استهل حزب التجمع الوطني للأحرار، بقيادة رئيس الحكومة عزيز أخنوش، جولاته الجهوية في مدينة الداخلة تحت شعار “مسار الإنجازات” في 3 ماي 2025، ليواصل بعدها بجولة ثانية في جماعة فم الواد القروية بجهة العيون. لكن هذه الجولات، التي روّج لها الحزب كمنصة لاستعراض “حصيلة منتصف الولاية”، سرعان ما كشفت عن وجهها الحقيقي: مسرحية سياسية مفتعلة، تفتقر إلى الصدقية والمشاركة الشعبية التلقائية، وتعكس بوضوح فشل الحزب في تحقيق أهدافه المعلنة.
ففي الداخلة، لم تكن الحشود التي زُعم أنها تدعم الحزب سوى تجمعات مُدارة بعناية، تضم مستخدمين وأشخاص تم استقدامهم من وحدات صناعية تابعة لكبار قياديي الحزب، بما في ذلك شركات مرتبطة مباشرة بأخنوش، هذا المشهد تكرر في فم الواد، حيث بدت المشاركة أقرب إلى “تعبئة إجبارية” منها إلى تفاعل شعبي حقيقي، مما يعكس عجز الحزب عن حشد تأييد حقيقي في مناطق مثل الداخلة وادي الذهب التي كان يُفترض أن تكون نموذجاً للتنمية العادلة.
لا يمكن فصل هذه الجولات عن الجدل المستمر حول تضارب المصالح المرتبط بشخص عزيز أخنوش. كرئيس للحكومة و”زعيم” الحزب، يترأس أخنوش إمبراطورية اقتصادية تمتد من المحروقات إلى الصناعات الغذائية والفلاحية، مما يثير تساؤلات حول مدى نزاهة قراراته السياسية.
ففي تقارير صحفية تم وصف ما جرى في الداخلة بأنه “تسليع مؤسساتي” للمال العام، حيث تُوجه المشاريع لخدمة مصالح حزبية ضيقة بدلاً من التنمية المجالية، مما يُعمّق الفجوة بين الخطاب الرسمي حول “العدالة الترابية” والواقع المرير الذي يعيشه المواطنون.
على الصعيد الحكومي، تكشف حصيلة حكومة أخنوش عن إخفاقات صارخة في القطاعات الحيوية. ففي التعليم، أشار تقرير المجلس الأعلى للحسابات لعام 2023 إلى استمرار الاختلالات في توزيع الموارد وتدني جودة التعليم العمومي، مع نسب هدر مدرسي مرتفعة في المناطق القروية.
وفي الصحة، لم تتمكن الحكومة من تجاوز أزمة نقص الأطر الطبية والتجهيزات، حيث أكدت منظمة الصحة العالمية في تقريرها لعام 2024 أن المغرب لا يزال بعيداً عن تحقيق التغطية الصحية الشاملة.
أما في التشغيل، فقد فشلت وعود أخنوش بخلق مليون منصب شغل، إذ أظهرت معطيات المندوبية السامية للتخطيط ارتفاع معدل البطالة إلى 13.7% في 2024، خصوصاً بين الشباب.
الاستثمار، بدوره، ظل مركزاً في محاور اقتصادية محددة، دون أن يحقق العدالة المجالية الموعودة، كما أشار تقرير البنك الدولي لعام 2024 الذي انتقد ضعف الشفافية في توزيع المشاريع الاستثمارية.
وتتفاقم صورة الفشل مع تورط عدد من برلمانيين ومنتخبي الأغلبية الحكومية، بما في ذلك أعضاء من حزب الأحرار، في قضايا فساد، فمنذ 2021، بعد مهزلة انتخابات 8 شتنبر، سجلت عدة حالات متابعة قضائية تتعلق بالاختلاس واستغلال النفوذ، شملت منتخبين في الجماعات الترابية وبرلمانيين، مما أثار انتقادات واسعة حول غياب المحاسبة. ففي تقرير لمنظمة الشفافية الدولية لعام 2024 صنّف المغرب في مرتبة متدنية على مؤشر مدركات الفساد، مشيراً إلى ضعف الإرادة السياسية في مكافحة الفساد المؤسساتي. هذه القضايا، التي تضرب أخلاقيات العمل السياسي، تكشف عن نمط تدبير يعطي الأولوية للمصالح الشخصية على حساب المصلحة العامة.
جولات حزب التجمع الوطني للأحرار الجهوية إذن، التي بدأت في الداخلة وتواصلت في فم الواد، لم تكن سوى محاولة فاشلة لتلميع صورة حكومة تعاني من أزمة ثقة، من خلال الاعتماد على مشاركات مفتعلة، وتجاهل قضايا تضارب المصالح، وعدم القدرة على تحقيق إصلاحات جوهرية في التعليم، والصحة، والتشغيل، والاستثمار، يظهر الحزب وحكومته عاجزين عن الوفاء بالتزاماتهما، بيد أن التقارير الوطنية والدولية، إلى جانب المتابعات القضائية، تؤكد هذا الفشل.
المطلوب اليوم هو محاسبة حقيقية، تبدأ بإعادة تقييم دور الأحزاب التي تقدم مصالحها على مصلحة الوطن، وتفتح الباب أمام تغيير سياسي يعيد الثقة إلى المواطن.