“منذ 2002 لم أخرج في تظاهرة تضامنية مع فلسطين لأني ضد خطاب من ينظمون تلك المظاهرات”، هكذا صرح أحمد عصيد.
بطبيعة الحال لا يمكن أن يزعم عصيد أن الذين يخرجون للتظاهر في الشارع المغربي هم فقط الإسلاميون أو العروبيون أو اليساريون الراديكاليون ..
ولو اجتمع هؤلاء جميعا بمناضليهم ومتعاطفيهم لما استطاعوا أن يضمنوا تنظيم مسيرات ضخمة قد لا يوجد لها نظير في الساحة العربية على الأقل. حيث إن كل ألوان الطيف حاضرة فيها من اليمين إلى اليسار بمختلف تلويناته إلى الإسلاميين بمختلف تلويناتهم سواء تعلق الأمر بمناضلي العدل والإحسان أو التوحيد والإصلاح أو العدالة والتنمية..
لكن من عموم المواطنين العاديين غير المرابطين بالتزام تنظيمي معين.. دون أن ننسى السلطات التي تسمح بهذا التعبير الحضاري ولم تعمل على منعه أو مضايقته بل تعمل على تأمين تنظيمه في انتظام ونظام وعدم إرباك للسير العام للحياة العادية.
ومن الواضح أن “عصيد بهذا التصريح يغلي دون أن يعي” من شأن التنظيمات التي أشار إليها ويضخم من قدرتها على التأطير والتنظيم والقدرة على التظاهر في جو من الانضباط والتنظيم الذاتي مما يسهل مأمورية السلطات العمومية إلى درجة أن الشارع المغربي قد استأنس على التعبير من خلال التظاهر السلمي والانضباط للتعليمات الصادرة من السلطات والحريصة على احترام النظام العام وحماية الممتلكات وباختصار على احترام القانون كما أصبح ثقافة وسلوكا متحضرا ثابتا في المسيرات والتظاهرات المساند لنضال وحق الشعب الفلسطيني.
يتعين أن نتوجه بتحية إجلال لكل المكونات التي تسهم في إنجاح هذه المظاهرات التي تمر في جو من المسؤولية والانضباط للقانون والحرص على طابعها السلمي والحضاري، على الرغم من اختلاف توجهاتها السياسة والإيديولوجية مما يعكس تطورا نوعيا في التظاهر المتحضر …
لا ندري عن أي خطاب يصدر عن تلك المسيرات المليونية يتخندق ضده “عصيد” ويجعله رافضا للمشاركين في المسيرات التضامنية الحاشدة مع الشعب الفلسطيني. حيث أن الخطاب الصادر عن تلك المسيرات هو نفس الخطاب الذي تنقله وسائل الإعلام عن المسيرات التضامنية مع الشعب الفلسطيني في مختلف بلاد المعمور. وفي العواصم الأوروبية، اللهم إذا كان المقصود هو الخلط المتعمد من عصيد بين إدانة الصهيونية كحركة عنصرية وبكلمة أدق الكيان الصهيوني المحتل المسؤول عن جرائم الحرب والجرائم ضد الإنسانية وحرب الإبادة التي يرتكبها في فلسطين ناهيك عن اعتدائه على المقدسات الإسلامية والمسيحية وسعيه للزج باليهود عموما في الرؤية الصهيونية التي لا يتقاسمها كل اليهود في العالم.. وبين خطابات تجاوزها الوعي النضالي الشعبي المغربي رغم وجود حساسيات إيديولوجية وسياسية وانتماءات حزبية مختلفة بل ومشاركة عريضة قد تكون لفئات غير متحزبة!!!
اللهم إذا كان عصيد يتبنى نظرية “معاداة السامية” التي تستخدمها الحركة الصهيونية في العالم وكيان الاحتلال لتبرير حروب الإبادة التي شنها ويشنها الكيان على الشعب الفلسطيني.
من حق عصيد أن لا يتبنى بعض الشعارات التي ترفعها المسيرات المناهضة للعدوان على فلسطين وعلى المقدسات الإسلامية والمسيحية، وينبه المنظمين للمسيرات عليها في حالة ظهور بعضها… والتي قد تظهر كتعبيرات فردية ولا تحمل في اللافتات الرسمية للتظاهرات أو تردد في الشعارات المعتمدة من الجهات المنظمة.
كان بالإمكان تصديق دعوى عصيد لو أنه رفع صوته بالإدانة والتنديد بحرب الإبادة على الشعب الفلسطيني وسلوك المتعصبين من المستوطنين الذين يصادرون الأراضي ويطردون الفلسطينيين من وطنهم ويصادرون أراضيهم.
كان من الأولى في سياق حرب الإبادة التي يشنها الكيان العدواني أن يبادر إلى الدعوة كـ “مثقف أمازيغي” لاسترجاع صحوة الضمير كما بدأت تسترجع في عدد من الأوساط الدولية، بما فيها ذلك الدول التي تتحمل مسؤولية تاريخية في غرس الكيان المحتل في المنطقة، كما تدل على دعوات مسؤولين أوروبيين من مستوى رفيع من قبيل:
– دعوة وزير الخارجية الإسباني خوسيه مانويل ألباريس المجتمع الدولي إلى النظر في فرض عقوبات على الكيان المحتل، والدفع باتجاه حل الدولتين للصراع الإسرائيلي الفلسطيني… وهو موقف بغض النظر عن تقييمنا له متقدم بالنظر للتوجه الذي كان سائدا القائم على الدعم غير المشروط للكيان المحتل… لكن العدوان الصهيوني وضع حتى الأصدقاء في موقع حرج تجاه الرأي العام الداخلي والخارجي ..
-تأكيده أن مدريد ستستضيف 20 دولة ومنظمة دولية الأحد بهدف “وقف هذه الحرب التي لم يعد لها أي هدف”.
-تأكيده أن المساعدات الإنسانية يجب أن تدخل غزة “بكميات كبيرة ومن دون عوائق وبشكل محايد حتى لا تكون إسرائيل هي من يقرر من يستطيع أن يأكل ومن لا يستطيع”.
-قرار الاتحاد الأوروبي القاضي بمراجعة اتفاق التعاون مع الكيان المتحمل حيث صرح ألباريس “يتعين علينا أن نفكر في فرض عقوبات، علينا أن نفعل كل شيء، وأن نأخذ كل شيء في الاعتبار لوقف هذه الحرب”.
-انضمام عدة دول كان الكيان الصهيوني يعتمد عليها منذ فترة طويلة باعتبارها حليفة، إلى الضغوط الدولية المتزايدة بعدما وسعت عملياتها العسكرية في غزة إلى الدعوات الداعية إلى رفض حرب التجويع على أهل غزة بعد حظر المساعدات المستمر منذ شهرين وما أدى إلى من تفاقم نقص الغذاء والمياه والوقود والأدوية في القطاع الفلسطيني وما أثار مخاوف من حدوث مجاعة.
-انعقاد مؤتمر في العام الماضي بمدريد جمع دولا بينها مصر والأردن وقطر والسعودية وتركيا فضلا عن دول أوروبية مثل إيرلندا والنرويج التي اعترفت بدولة فلسطين.
والخلاصة أن كل المؤشرات تدل على أن الدعم الدولي لكيان الاحتلال في تراجع وتآكل وأن قضية الشعب الفلسطيني يتزايد… وأن هذا الدعم والتأييد الذي يتسع يوما بعد يوم لا يمكن أن ينقص منه أن يكون عصيد أو من يمثله مقاطعة للتظاهرات التضامنية مع فلسطين… وأن “الأرضة” تأكل التوطؤ الظاهر والخفي على محاصرة الشعب الفلسطيني وتجويعه في انتظار الجهاز على حقه في الحرية والاستقلال وإنشاء دولته المستقلة… إنهم يرونه بعيدا ونراه قريبا …
والنضال الفلسطيني والعربي والإسلامي والعالمي… ومنه مسيرات الشعب المغربي التي منارة فخر لهذا الشعب ودولته وتسجل في صحيفة دولته ومؤسساته التي لم تصادر حق التظاهر وحق التعبير عن التضامن مع الشعب الفلسطيني… وهي المظاهرات التي لا يضرها تخلف بعض من يزعم أنه يتخلف عنها بسبب خطابها… فهلا نظموا مسيرات منافسة وقدموا نموذجا لخطاب نضالي مساند لكفاح الشعب الفلسطيني ورافض لمظلمته… ولو كانت خرجات أو وقفات رمزية …
ومن الواضح أن هذه المسيرات والتظاهرات بطبيعتها تفرز من يستحق شرف المشتركة فيها ومن “لَوْ خَرَجُواْ فِيكُم مَّا زَادُوكُمْ إِلَّا خَبَالًا وَلَأَوْضَعُواْ خِلَٰلَكُمْ يَبْغُونَكُمُ ٱلْفِتْنَةَ وَفِيكُمْ سَمَّٰعُونَ لَهُمْ ۗ صدق الله العظيم.
رابط المشاركة :
شاهد أيضا