البردعي تكتب: عيد بلا أضاحي..عندما تعجز الحكومة ويتدخل الملك

ونحن على أبواب عيد الأضحى، وُجهت انتقادات حادة إلى المواطنين الذين يُقبلون سرًا على اقتناء الأضاحي بأسعار مرتفعة أو يبحثون عن بدائل من اللحوم في الأسواق . لكن في الحقيقة، لا يمكن أن نُحمّل هؤلاء البسطاء مسؤولية ما آلت إليه الأمور. فتمسّكهم بالشعيرة، رغم ظروفهم القاسية، يعكس عمق البعد الديني والتقليدي والاجتماعي لعيد الأضحى في وجدان المغاربة.

إن اللوم لا يجب أن يُوجَّه إلى من استجاب لنداء الموروث والهوية، بل إن ما يُطلب منه هو الامتثال للتوجيهات السامية لأمير المؤمنين، لا من باب الطاعة فقط، بل من باب الثقة بأن هذا القرار الملكي جاء لرفع الحرج، والتخفيف عنهم، وحماية القطيع الوطني من الانهيار. ومع ذلك، فإن دوافعهم تبقى مفهومة، ولا تُلام، لأنهم ضحايا وضعٍ لم يصنعوه، بل فُرض عليهم نتيجة إخفاقات متراكمة في سياسات عمومية أُهملت فيها الحوكمة الجيدة، وغابت فيها الرقابة والمحاسبة.
فالحقيقة أن ما نعيشه اليوم ليس نتيجة ظرف طارئ، بل نتيجة مباشرة لفشل الحكومة الحالية، بقيادة رئيسها ووزير الفلاحة السابق عزيز أخنوش، في حماية الأمن الغذائي الوطني، وضبط منظومة تربية الماشية، رغم الدعم الهائل الذي فاق 13 مليار درهم في سنتي 2022 و2023، إضافة إلى إعفاءات ضريبية غير مسبوقة.
هذا الدعم لم يصل إلى الفلاح الصغير، ولا إلى الكساب الحقيقي، بل استحوذت عليه لوبيات “الفراقشية” والمضاربين الذين جعلوا من معاناة المواطنين مصدر ربح فاحش. أما الحكومة، فبدت غائبة عن الواقع، عاجزة عن مراقبة الأسواق، أو ضبط منظومة التوزيع، أو حتى تقديم رواية واضحة للمغاربة عمّا حدث.
وسط هذا الفشل، جاء القرار الملكي  الحكيم بعدم أداء شعيرة ذبح الأضحية هذه السنة، ليشكّل لحظة فارقة في العلاقة بين الدولة والمجتمع، ورسالة قوية بأن المؤسسة الملكية لا تتخلى عن الشعب، وتتحمل مسؤوليتها الأخلاقية والدينية حين تغيب باقي المؤسسات.
بل الأكثر دلالة هو قرار إسناد ملف القطيع الوطني إلى وزارة الداخلية، بدل وزارة الفلاحة، في سحب واضح للثقة من القطاع الوصي، وإقرار ضمني بأن تدبير هذا الملف الاستراتيجي لم يكن في يد أمينة، بل في يد من فرّط وأهدر فرص الإصلاح.
اليوم، لم يُحرم المغاربة فقط من أضاحيهم، بل حُرموا من حقهم في الثقة، ومن الإحساس بأن هناك من يحمي مصالحهم، ويراقب الأسواق، ويضمن عدالة توزيع الدعم. وعليه، لا يمكن أن نُسكت الأسئلة التي تطرح نفسها بقوة: من استفاد؟ من بدّد؟ ومن حوّل شعيرة العيد إلى أزمة وطنية تمس الفقراء والطبقة المتوسطة في العمق؟
إن ما نحتاجه اليوم هو مراجعة عميقة للسياسات الفلاحية، وربطًا صارمًا للمسؤولية بالمحاسبة، لأن كرامة المواطن يجب أن تبقى في صلب كل قرار، لا أن تُستعمل فقط في الخطب والتصريحات.
فالمسؤول الأول عن حرمان المغاربة من العيد هو رئيس الحكومة الذي نهج سياسية دعم المقربين وضرب مصالح الوطن واعتمد مخططات أضاعت ثروة البلاد واستزفت الموارد الطبيعية دون تحقيق الأمن الغذائي والاستقرار النفسي والمعنوي للمغاربة .

شاهد أيضا
شارك برأيك

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.