حسن حمورو
لبنيامين نتنياهو، رئيس وزراء إسرائيل، المصنف بمقتضي القانون الدولي، مجرم حرب، كتاب عنوانه “مكان تحت الشمس” نشر له سنة 1996، في سياق منافسته على رئاسة الحكومة.
الكتاب، اعتبر برنامجا انتخابيا، لحظة صدوره، لكن تبين فيما بعد أنه أكبر من ذلك، بالنظر إلى ما تضمنه، من تحليل لواقع دولة إسرائيل، والمخاطر التي تهدد وجودها واستمرارها.
وشرح نتنياهو في كتابه، مداخل تحقيق ما يعتبره سلاما في منطقة الشرق الأوسط، يؤمّن اندماج إسرائيل في المنطقة وخاصة بين العرب، ويوفر لها الأمن، منظرا لسلسلة إجراءات وقرارات إستراتيجية تنزع عناصر القوة من الدول التي اعتبر أنها تشكل تهديدا وجوديا لإسرائيل.
وركز نتنياهو في هذا الكتاب على أن أكبر تهديد تواجهه دولته، هو امتلاك دول مثل العراق وسوريا وليبيا وإيران، للسلاح النووي، وخصص فقرات كثيرة للحديث عن التهديدات التي تشكلها إيران للمنطقة بشكل عام، حيث وردت كلمة “إيران” 48 مرة في نسخة الكتاب الصادرة سنة 2015 عن دار الجليل للنشر والدراسات والأبحاث الفلسطينية.
ودعا في الكتاب نفسه، إلى العمل على حرمان إيران بكافة السبل من امتلاك السلاح النووي، سواء امتلاكها له كدولة، أو كفروع وامتدادات في العراق وسوريا وباقي الجبهات الموالية لها، وفق التصنيف الذي كان سائدا لحظة صدور الكتاب.
وفي معرض التحريض، حاول نتنياهو في كتابه، الذي استمد عنوانه “مكان تحت الشمس”، من كلمة لممثل إيران في الأمم المتحدة، سنة 1985، أن يؤلب الدول الغربية على إيران، معتبرا أنها مصدر ومحفز الأصولية الدينية والتعصب الديني والإرهاب، مستشهدا بعدد من أحداث الصدام التي كانت إيران وراءها، وتضررت منها دول غربية منها الولايات المتحدة الأمريكية.
خطة نتنياهو المضمنة في كتابه، تقتضي بمحاصرة الدول العربية والإسلامية، مثل العراق وليبيا وايران، لمنعها من امتلاك تكنولوجيا تصنيع السلاح النووي، ومن الملفت أنه يشترط لنجاح خطته، انخراط الولايات المتحدة الأمريكية، ويعتبر أنها القادرة على إنجاح الخطة.
إن المتصفح لكتاب نتنياهو، يكتشف أنه كان ورقة سياسية محبوكة، بإجراءات دقيقة، جرى تنفيذها، والنجاح في تحقيقها، حيث دعا إلى محاصرة العراق وليبيا وسوريا من خلال العقوبات الاقتصادية، تمهيدا للتخلص من صدام حسين ومعمر القذافي، وهو ما تم فعلا بعد العراق سنة 2003، واندلاع ثورة 17 فبراير 2010 في ليبيا، واندلاع حرب أهلية في سوريا أنهت حكم نظام الأسد، بعد أن أوغل في قتل المدنيين الأبرياء في سوريا.
وكان لافتا عدم تخلي نتنياهو عن مخططه، بخصوص طريقة التعامل مع إيران، بل شكلت عملية طوفان الأقصى، محفزا له، وسرعت من شروعه في تنفيذ المراحل المتبقية من “تأمين” دولة إسرائيل وفق ما تحدث عنه في كتابه بالضبط وبالتفصيل، حيث عاد ليؤثت خطابه الحربي، برفض قيام دولة فلسطينية، يحكمها “الإسلاميون” خاصة في غزة، بل حول الخطاب الى قرار دولة من خلال مصادقة الكنيست (البرلمان) على ذلك، ومضى في تدمير غزة، بهدف شل حركة حماس ومنعها من تسيير شؤونها، لأن قيام دولة فلسطينية حسب كتابه، يعني تمدد لنفوذ إيران، ووجه ضربات عسكرية استهدفت قدرات حزب الله في لبنان، مقابل تصعيد اللهجة ضد سوريا والاعتداء على أراضيها، لاستمالة حكامها الجدد ومنع أي تقارب لهم مع إيران.
ثم امتدت قراراته الحربية إلى إيران في 3 عمليات قصف جوي، وتفجيرات واغتيالات داخل ايران، خلال السنتين الماضيتين، فضلا عن مواصلة التحريض ضدها في كل المناسبات الأممية، ووصفها بالشر في كلمته أمام الجمعية العامة للأمم المتحدة، سنتي 2023 و2024.
وفي هذا السياق، جاءت العملية التي اطلق عليها اسم “الأسد الصاعد” او الطالع، ليلة 12 يونيو 2025، وتم خلالها اغتيال قادة كبار في الحرس الثوري، ومسؤولين آخرين عن تنفيذ المشروع النووي الإيراني، مستغلا تفاصيل المفاوضات الجارية بين الولايات المتحدة الأمريكية وإيران حول الموضوع ذاته، قبل أن يستأنف في اللحظة ذاتها، التحريض لتغيير النظام الإيراني، تماما كما نظر لذلك في كتابه.
يمكن القول بأن هذا السرد والربط بين مضامين كتاب “مكان تحت الشمس”، وأحداث جارية، يشكل محاولة لقراءة ما يجول في عقل نتنياهو، وفهم جزء من طريقة تفكيره واتخاذه لقراراته، بعيدا عن تحليل نسبة نجاحه فيها.
على أن هذه المحاولة لا تعني أنه ناجح، أو سيحقق الانتصار في حرب الهمجية، بالنظر إلى أنه ليس الفاعل الوحيد أو القوى في مجريات الأحداث المعقدة الجارية في المنطقة.