في خضم الأوضاع المتسارعة والخطيرة التي تعرفها فلسطين ومحيطها في منطقة الشرق الأوسط، على الخصوص منذ السابع من أكتوبر 2023، وبعد كل موقف أو بلاغ يُصدره حزب العدالة والتنمية تخرج بعض الأصوات في حملة ممنهجة لمهاجمة الحزب، وهي أصوات ثبت أنها من صنفين اثنين مختلفين لا ثالث لهما، فهي إما أصوات مأجورة مسلوبة ومنبوذة ندبت نفسها للدفاع عن “إسرائيل”، وإما أصوات تحرجها كثيرا مواقف الحزب وتحاول من خلال الهجومات الكبيرة والوشاية المتكررة أن تسفهه أو أن تضغط عليه ليصمت لكي نتساوى جميعا في الصمت وفي خذلان بني جلدتنا في فلسطين وفي غزة.
وفي استمرار لهذه الحملة البئيسة والمقرفة، خرج علينا الدكتور الحري في افتتاحيته يتحدث فيها عن “خطيئة حزب’” في إشارة إلى البلاغ الأخير للأمانة العامة لحزب العدالة والتنمية الذي أدانت فيه من الناحية المبدئية العُدوان الصّهيوني الإرهابي على الشَّعب الإيراني. وفي هذا الصدد، أشار السيد الحري بخصوص موقف الحزب من التطبيع أن الحزب هو الذي وقع وثيقة التطبيع مع إسرائيل وهو بذلك “شجعها نظرياًّ على خرق القانون الدولي وشرعنة الإرهاب وقتل المدنيين والأطفال واغتيال العلماء والخبراء في عقر ديارهم”.
وإذ نسجل للسيد الحري اعترافه -من حيث يدري أو لا يدري- بأن هذا الكيان يقتل المدنيين والأطفال ويغتال العلماء والخبراء في عقر ديارهم، ويقر ويكتب أن “الحزب شارك في مراسم التطبيع بحضور الملك، بصفته السياسية ورئيس الحكومة، بصفة أكبر في مجال التدبير والمسؤولية عن قرارات الدولة”، لكنه للأسف يحاول الخلط والتدليس عل مواقف الحزب المعروفة من الكيان الصهيوني، حيث كان الحزب وبقي وسيبقى بالرغم من هذا التوقيع الذي لا علاقة للحزب به ضد التطبيع وضد أي علاقات مع هذا الكيان الصهيوني الإرهابي، واليوم أكثر من أي وقت مضى بعد أن بات واضحا وبشكل جلي ومعلن وبقرارات رسمية عزم هذا الكيان الإحلالي الغاصب على القضاء على أمل قيام أية دولة فلسطينية، وهو يمارس لهذ الغرض الإبادة الجماعية والتطهير العرقي والحصار والتجويع ويخطط للتهجير، وهو يوسع عدوانه على كل المنطقة لتحقيق ما يسميه “إسرائيل الكبرى”، وأضحى هذا الكيان الإرهابي خطرا حقيقيا ووجوديا ليس على دولة فلسطين فقط بل على كل دول المنطقة دون استثناء.
أما بخصوص موقف الحزب من العدوان الصهيوني على إيران، فمن بين الجهالات التي كتبها الحري، هي أن موقف الحزب الأخير من الحرب على إيران هو “تواطؤ معها ضد الوحدة الترابية”، وهذا لعمري سوء نية وقلة أخلاق ومهنية من طرف من يوقع بصفة الدكتور، وهو ما لا يستقيم من وجهة نظر علمية وأخلاقية وسياسية، إذ أن الخلاف مع إيران والشَنَـَٔان معها وواجب مواجهة موقفها وسياستها بخصوص ملف وحدتنا الترابية، لا يعني أن نسكت وأن لا نستنكر ونرفض العدوان الصهيوني على شعبها وقيادته وعلمائه ومقدراته من طرف كيان مارق لا يعترف بسيادة ولا بحق ويحتقر القوانين والمواثيق والمؤسسات الدولية ويشكل خطرا حقيقيا على الأمن والسلم الدوليين.
ولو كان الحري صحفيا ودكتورا حقيقيا لتذكر واستحضر موقف الحزب المؤيد لقطع العلاقات الدبلوماسية مع إيران في 2018، على خلفية صلة حزب الله بالجبهة الانفصالية “البوليساريو”، لكن في المقابل نؤكد له ولأمثاله أن الحزب لن يصمت على أي عدوان صهيوني على إيران، بمنطق الواجب والحق مصداقا لقوله عز وجل “يَٰٓأَيُّهَا اَ۬لذِينَ ءَامَنُواْ كُونُواْ قَوَّٰمِينَ لِلهِ شُهَدَآءَ بِالْقِسْطِۖ وَلَا يَجْرِمَنَّكُمْ شَنَـَٔانُ قَوْمٍ عَلَيٰٓ أَلَّا تَعْدِلُواْۖ اُ۪عْدِلُواْ هُوَ أَقْرَبُ لِلتَّقْو۪يٰۖ وَاتَّقُواْ اُ۬للَّهَۖ إِنَّ اَ۬للَّهَ خَبِيرُۢ بِمَا تَعْمَلُونَۖ”، وليس بالمنطق المتهافت والجاهل الذي جعل الحري يربط بين أمرين مختلفين وموقفين لا ينفي أحدهما الآخر، وهو يجعل استنكار الاعتداء على إيران هو من باب دعم سياساتها وتأييد مشروعها في المنطقة.
إن أي خلط بين الموقفين هو محاولة لخلط الأوراق لا غير ومحاولة استغلال أي فرصة للهجوم على خصم سياسي أتعب خصومه بمواقفه الوطنية وبجرأته السياسية، وهو ما يزيد الحزب إيماناً عميقاً بأنه على الطريق الصحيح، ويجعله يشعر بثقل المسؤولية الملقاة على عاتقه للقيام بواجبه بما تقتضيه مصلحة الوطن والأمة، دون مزايدة على أي أحد، وبكل مسؤولية والتزام وبالجدية المطلوبة، ولن تثنيه هذه المحاولات البئيسة عن القيام بما يراه صواباً لأنه مؤمن أنه لا يصح إلا الصحيح.
“فَأَمَّا اَ۬لزَّبَدُ فَيَذْهَبُ جُفَآءٗ وَأَمَّا مَا يَنفَعُ اُ۬لنَّاسَ فَيَمْكُثُ فِے اِ۬لَارْضِۖ كَذَٰلِكَ يَضْرِبُ اُ۬للَّهُ اُ۬لَامْثَالَ.”