بويغرومني تكتب: جيل Z وصوت الشارع: حين يعجز رئيس الحكومة عن التقاط الدرس

نعيمة بويغرومني

حين يفيض الكيل، لا يعود الشعب بحاجة إلى من يلقّنه معنى الغضب. وحين تتوالى الخيبات، تخرج الأجيال لتكتب خطابها بنفسها، بصوتٍ عالٍ لا يخضع لرقابة، ولا يركع لخطاب رسمي. هذا ما عبّر عنه جيل Z في خرجاته الأخيرة، حين قال بصراحة: لا… لحكومة التراجعات، لا… لحكومة 2021 المشؤومة.

فمنذ مجيء هذه الحكومة، توالت الأرقام الصادمة التي تكشف حجم الكارثة: 1.7 مليون تلميذ حُرموا من دعم التمدرس، 43 ألف أرملة جُردن من الدعم، 123 ألف يتيمٍ ويتيمة تُركوا لقدرهم، نصف مليون طفل بلا سند، وأكثر من 8 ملايين مواطن خارج التغطية الصحية… هذه ليست مجرد ثغرات، بل سياسة ممنهجة فرّغت “الدولة الاجتماعية” من مضمونها، وجعلت الفقراء وقوداً لإصلاحات وهمية.

ومع ذلك، يواصل حزب الأحرار عبر أذرعه ترديد أسطوانته المشروخة: “إنها سياسات الماضي”. والحقيقة أن الحزب لم يكن يوماً بعيداً عن السلطة، بل كان ركناً ثابتاً فيها، وتحمّل حقائب أساسية لسنوات طويلة. ومن العبث أن يتبرأ اليوم من إرثٍ كان هو أحد صُنّاعه، بينما هو منذ 2021 المسؤول الأول والأخير عن كل هذه التراجعات.

ومن الإنصاف التذكير بأن الحكومات السابقة – وخاصة حكومتي بنكيران والعثماني – فتحت أوراشاً اجتماعية كبرى: دعم الأرامل واليتامى، صندوق التماسك الاجتماعي، توسيع ورش الحماية الاجتماعية… مكتسبات كانت أساساً للبناء، غير أن هذه الحكومة فضّلت الإجهاز عليها، فازدادت الهوة، واتسع الغضب. هذا دون الحديث عن سحب مشاريع قوانين أضرّت بمصالح المواطنين والمال العام، وساهمت في تغوّل الفراقشية… فراقشية الذمم والصفقات (مشروع قانون الإثراء غير المشروع على سبيل المثال لا الحصر).

وعليه، فإن ما وقع ويقع اليوم من احتجاجات بالمغرب ليس مفاجئاً البتة: فقد سبقته مؤشرات واضحة تجاهلتها الحكومة… بدءاً من الفرار الجماعي لجحافل من أبناء هذا الشعب نحو مدن الشمال في اتجاه الضفة الأخرى، مروراً بمسيرة بوكماز وغيرها، وصولاً إلى الاحتجاجات على المستشفى الجهوي لأكادير. كلها رسائل مبكرة كان يفترض أن توقظ الحكومة من غفوتها. لكنها فضّلت الإنكار، وأسقطت كل انتقاد في خانة المزايدات، فكان من الطبيعي أن ينفجر الشارع.

وبالتالي، خرج جيل Z ليقول كلمته. خرج ضد قرارات الحكومة، وضد تغوّلها، وضد تضارب المصالح الذي عمّق فقدان الثقة، وضد ضعف تواصلها، بل وتواصلها المستفِز الذي يُحقر المغاربة البسطاء. (ويقصر المقال عن التذكير بها جميعاً، فما أكثر زلات هذه الحكومة “الكفأة”!).
قلت: كل هذا وذاك زاد من حدّة الاحتقان، فخرج الشباب سلمياً في معظمه، واعياً برسالته، رافضاً أن يُسلب مستقبله في صمت.
نعم، وقعت بعض الانفلاتات التي نشجبها وندينها… غير أن جوهر الاحتجاجات السلمية في ربوع هذا الوطن الغالي ظلّ هو الرسالة الأساس: الشباب يرفض أن يدفع ثمن فشل هذه الحكومة.

وفي خضم هذا المشهد، يبقى جلالة الملك محمد السادس الضامن الأول للاستقرار والعدل الاجتماعي. وبالتبع، لا يزال صوت الشعب يضع ثقته في المؤسسة الملكية التي حملت همّ الفقراء في كل المبادرات والخطابات. غير أن الخلل، كل الخلل، يكمن في حكومة عاجزة عن تنزيل التوجيهات الملكية، ومنشغلة بتضارب مصالحها أكثر من انشغالها بمصالح الشعب.

اليوم، لم يعد الأمر مجرّد أزمة عابرة، بل هو احتقان يتسع. والمطلوب أكثر من أي وقت مضى هو محاسبة سياسية صريحة لحكومة أخنوش التي أثقلت كاهل المواطنين وخذلت وعودها. فجیل Z بوعيه وجرأته، ومعه كل المغاربة، لن يقبل أن تتحول التراجعات قدراً مفروضاً، ولن يسمح أن يُصادر حقه في العدالة الاجتماعية والكرامة.

بمعنى أوضح، إن الشعب حين يصرخ، فهو لا يفعل ذلك عبثاً. وحين يخرج جيل كامل إلى الشارع، فهو يكتب بدمه وعرقه رسالة للتاريخ: أن الكرامة ليست ترفاً، وأن المستقبل لا يُباع في سوق المصالح الضيقة. ومن لم يلتقط الدرس اليوم، فلن يجد غداً من ينصت إليه.

شاهد أيضا
شارك برأيك

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.