البردعي تنتقد غرق مدينة شفشاون في النفايات وإهمال حقوق العمال وعدم وفاء الشركة المفوض لها بالتزاماتها

تعيش مدينة شفشاون، منذ مدة، على وقع أزمة خانقة في قطاع النظافة، بعد أن بات توقف أجور العمال ظاهرة متكررة تغرق المدينة في النفايات وتغرق معها كرامة العامل البسيط في دوامة من الإهمال والتجاهل. هؤلاء العمال الذين يشكلون الواجهة الحقيقية للنظافة والجمال في مدينة تعيش على رهان السياحة والبيئة، وجدوا أنفسهم ضحايا ارتباك إداري وتراخ جماعي، يدفع ثمنه المواطن قبل الجميع.
إن المتابع لمشاكل هذا القطاع في المدينة وطرق تدخل علاجها يختلط عليه تفسير مفهوم وأبعاد دولة المؤسسات. فالقطاع هو اختصاص أصلي للجماعة، وحقوق العمال يفترض أن تكون محددة ومصونة بمقتضى قانون الشغل، والجهة المخول لها الترافع والدفاع عن حقوقهم، فهي النقابات دون شك، أما أن تجتمع هذه الأطراف في مقر الإدارة الترابية لعمالة الإقليم في غياب الطرف الأصلي، ألا وهو الجماعة الترابية، فالأمر يثير تساؤلات حول أدوار الفاعل السياسي وأدوار الفرقاء الاجتماعيين؟
فهل الأمر يحتاج تفعيل المساطر وتحمل المسؤوليات وصون الحقوق؟ أم سيقتصر على حلول ظرفية وترقيعية تهدئ الوضع ليعود العمال إلى مواقع العمل لجمع أطنان النفايات من الأزقة والشوارع، ثم يعودون إلى نفس الوضع ونفس المعاناة! وكأن هذه الشركة لم توقع على دفتر تحملات يتضمن كل صغيرة وكبيرة وسهر على إعداده خبراء في المجال ويسهر على متابعته طاقم إداري محترم بالجماعة الترابية. لكن للأسف يظهر أن الوضع بات يعرف مسارا أخر والعمال هم الحلقة الأضعف في التدبير المفوض لقطاع النظافة للحاضرة الأندلسية.
إن توقف أجور العمال وإن كان قد وقع سابقا، إذ عند اقتراب انتهاء عقود الشركات المفوض لها سابقا كانت تبدأ بالتماطل في أداء الأجور وتتراجع جودة خدماتها. لكن للأسف اليوم نرى أن هذه الشركة المعلومة منذ انطلاقها، انطلقت معها الاحتجاجات وتردي الخدمات، مما يجعل التساؤل المشروع يطرح حول مدى سهر الجماعة على متابعة الشركة المفوض لها بناء على مقتضيات دفتر التحملات الذي يحق لكل المواطنين الشفشاونيين التعرف عليه وعلى كل تفاصله ومقتضياته في نطاق الحق في المعلومة، ومتابعة أداء قطاع حيوي في مدينة تراهن على السياحة كرافعة اقتصادية؟
فدفتر التحملات ليس وثيقة تقنية مغلقة، بل هو عقد اجتماعي وقانوني يفترض أن تتابع الجماعة تنفيذه بحزم وشفافية.
إن تمكين الساكنة من ممارسة حقها في مراقبة المال العام، أضحى أمرا ضروريا باعتبار أن قطاع النظافة مرفق يمول من جيوب المواطنين ويجب أن يدار بشفافية تامة. لكن ما يحدث هو العكس تماما، فبعد أن تفاقمت الأزمة وأصدر العمال بيانات وخاضوا الإضرابات احتجاجا على أوضاعهم المزرية، رأينا أن السلطة الترابية هي التي تحركت لعقد اجتماع مع الفرقاء الاجتماعيين والعمال، في غياب الطرف الأصلي المعني بالملف، ألا وهي الجماعة الترابية المفوضة والمشرفة المباشرة على الملف والذي يعتبر قطاع النظافة اختصاصها الأصلي.
وهنا يطرح السؤال الجوهري: ما دواعي هذا اللقاء بعد فوات الأوان؟ ولماذا لم يتم تفعيل آليات الحوار والوساطة قبل أن تتراكم الأزبال في الشوارع وتنهار الثقة بين العمال والمشغل؟ ونجعل صور الأحياء الغارقة في الأزبال تغزو فضاءات التواصل الاجتماعي؟
فما دور الفرقاء الاجتماعيين الذين يفترض أن يكونوا صوت العمال وحصنهم النقابي الذي يحميهم ويدافع عن حقوقهم؟ فهل ستستطيع النقابات المحافظة على هيبتها واستقلالها في ظل هذا الوضع؟ وهل ستستطيع الحرص كل الحرص على تطبيق قانون الشغل وحماية العمال من جشع الشركات؟ ولماذا تستمر الشركة المفوض لها في خرق التزاماتها التعاقدية دون مساءلة حقيقية؟ وهل سيظل العمال في كل مرة تحت رحمة من يتدخل لتمكينهم من حقهم المشروع في التوصل بالأجور عند نهاية كل شهر وكأنهم يطلبون الإعانات.
إن ما يثير الانتباه وما يثير التساؤل أيضا أن هذه الشركة المفوض لها القطاع ما تزال إلى اليوم، تشتغل في ظروف غامضة ومخالفة للمساطر القانونية. فهي لا تتوفر على مقر اجتماعي خاص بها، وتستمر في استعمال المقر السابق الذي كانت تشغله شركة أوزون التابع للجماعة دون أي سند قانوني واضح، كما لا تتوفر على عدادي الماء والكهرباء المستعملين في نشاطها باسمها، مما يطرح سؤالا جوهريا حول شفافية التدبير ومراقبة المال العام.
إضافة إلى ذلك، وبناء على ملاحظات الساكنة، تراجعت الخدمات المقدمة بشكل واضح؛ إذ لم تعد الشركة تقوم بـتنظيف الأراضي العارية ولا بتنظيف وتعقيم الحاويات، كما ينص دفتر التحملات. هذا التراجع يمس بمبدأ المرفق العمومي في استمراريته وجودته، ويكشف عن ضعفٍ في احترام الالتزامات القانونية والتعاقدية بين الجماعة والشركة المفوض لها.
وإذا كانت الأسئلة عديدة حول أداء هذه الشركة والتزاماتها ومدى جدية إشراف الجماعة على تنفيذ بنود الالتزام، فإن السؤال الأكثر أهمية والذي يجب الوقوف عليه، هو هل توسع المجال العمراني للمدينة وتوسع الأنشطة الاقتصادية التي أصبحت تعرفها، رافقها الرفع من عدد العمال والوسائل المساعدة، أم أن نفس اليد العاملة هي التي تتوسع مهامها وتنضاف إليها الأحياء الجديدة. فالضغط الكبير على المدينة التي أضحت قبلة سياحية هو على العمال البسطاء ؟! أما الزيادة في العدد فهذا سؤال ننتظر أن تجيب عليه الجهات المعنية.
في هذا السياق يجب التذكير بمقتضيات مدونة الشغل وحقوق العمال، فهذه المدونة ليست ترفا إداريا بل التزام وطني لحماية العمال وضمان كرامتهم. فالعقد الذي يربط الشركة بالجماعة لا يمكن أن يكون مظلة للخرق أو التجاوز، بل هو أداة لتحقيق العدالة المهنية والاجتماعية.
فما يقع اليوم بشفشاون، يمس جوهر المرحلة التي نعيشها، وهي مرحلة تفرض تعزيز دولة المؤسسات وتقوية الثقة في الفعل العمومي وإعادة الثقة للشباب في المؤسسات المنتخبة. فحين يهضم حق العامل، ويتجاهل دور المجلس المنتخب، ويهمش الحوار الاجتماعي، فإننا لا نضرب فقط قطاع النظافة، بل نوجه ضربة لقيم الحكامة والشفافية والمساءلة التي تبنى عليها الدولة الحديثة، ونعيد عجلة التنمية سنوات إلى الوراء .
إن قطاع النظافة وضعنا اليوم أمام مرآة الحكامة، واختبر الفرقاء الاجتماعيين في حماية حقوق وكرامة العامل، كما جعل صدقية الخطاب السياسي على المحك. فإنقاذ القطاع يمر أولا عبر تحمل المجلس الجماعي لمسؤوليته القانونية في مراقبة المفوض له، وتفعيل المساطر التأديبية في حال الإخلال بالالتزامات، وضمان حوار اجتماعي حقيقي ينصت للعمال لا أن يملى عليهم. فكرامة العامل هي معيار صدق الشعارات، والنظافة تبدأ من نظافة التدبير قبل نظافة الشوارع. أما الحلول المرحلية واللحظية فلن تزيد إلا من تراجع منسوب الثقة في المؤسسات.
إن ما حركني للخوض في هذا الموضوع أولا غيرتي على المدينة وكوني كنت مسؤولة على قطاع النظافة بجماعة شفشاون خلال الولاية السابقة وأعرف عن قرب حجم المعاناة اليومية لهؤلاء العمال، فلا يمكنني إلا أن أعبر عن غيرة صادقة ومسؤولية أخلاقية تجاه هذا الملف. فالعامل الذي يحمل أوساخ المدينة على كتفيه لا يستحق أن يعيش تحت رحمة توقف الأجور والضغوط النقابية والسياسية، بل يستحق الاحترام، الحماية، والاستقرار المهني.

شاهد أيضا
شارك برأيك

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.