من المقبول والإيجابي أن يعيد حزب الأصالة والمعاصرة صناعة صورته ويحاول أن ينسي المغاربة في وظيفته التي أحدث من أجلها وهي الإجتهاد في تحجيم حزب العدالة والتنمية بعدما عجزت الأحزاب التقليدية عن ذلك فسخر ليلعب دور المقزم للحزب الأول بالمغرب من حيث المصداقية وقربه من الشعب ووجود مناضليه على الأرض.
الأولى اليوم أن يؤسس هذا الحزب خطابه وهو في المعارضة في انتقاد الأداء على أساس التحاكم الى البرامج لنرتقي بالممارسة الديمقراطية الى مستوى رفيع من التحضر السياسي والمرافعة على أساس تنافس الأجوبة الحزبية على أسئلة الواقع السياسي والاقتصادي والاجتماع. إلا أنه من غير المقبول ألا يستغل رياح الخريف العربي الآتية من الشرق ليعيد إنتاج خطاب يجعل الإشكالية تتمحور في مقاربة حزب العدالة والتنمية ذا المرجعية الإسلامية للدين.
فلا يمكن فهم إدعاء الأمين العام لحزب الجرار “بممارسة نوع من الوصاية على الديـن وعلى المتدينين من طرف حزب العدالة والتنمية واحتكار التكلم باسم الإسلام”، إلا في إطار سياق إقليمي موسوم بمحاولة أحزاب نفضها الشارع تحوير النقاش وجره الى التقاطب متناسين أن الأمر يتعلق بعملية استنساخ تجربة فاشلة لا علاقة لها بالمغرب والمغاربة ولا علاقة لها بتجربة الإسلاميين بالساحة السياسية المغربية، وإذا كان حزب الجرار يحاول إصابة ذاكرة المغاربة بالزهايمر ليمحوا من ذاكرتهم نكبة المشهد السياسي التي تسبب فيها سنة 2009 مغامرا باستقرار المغرب وتجند بكل ما لديه وما سخر له لخوض عملية متقنة لوئد أمل إستنباث الديمقراطية ببلدنا التي ظلت تقاوم وجودها منذ 1998، يبدو واضحا أن هذا الحزب في ورطة، خاصة عندما فشل في تقزيم الإسلاميين قهرا بفضل ذكاء المغاربة ونجحوا بفضل رياح الربيع الديمقراطي في الإنتقال من التحكم إلى الديمقراطية الناشئة، وحتى لايستنفذ حزب الجرار بطاريته في المشروع الإصلاحي بتوافق وإجماع وطني أنصح أمينه العام الذي يريد أن يحول معركة المغاربة جميعا من أجل الكرامة والحريةواستكمال “ثورتهم” الهادئة والتي يعتبر فيها الحزب الذي نعثه باستغلال الذين رقما وعنصرا أساسيا بأن ينتبه لأمرين هامين:
أولا: المعارضة كقوة أساسية في الأنظمة الديمقراطية والتي خصص لها دستور 2011 فصلا كاملا تقاس بقوة الأفكار والمناهج والدينامية المنتجة للمشاريع البرلمانية والحزبية المبدعة البديلة والنخب الجديدة التي تقوي صلب الممارسة الديمقراطية لأن المغرب والمغاربة حسموا أمرهم في مقاربتهم للشأن الديني فهو من اختصاصات ملك البلاد وهذا لا يتناقض مع وجود حزب يعتز بمرجعية البلد الذي ينتمي إليه ويشتغل بانسجام مع ذلك مؤمنا بالإنفتاح والمشاركة والإشراك لأن المرجعية الدينية جامعة للمغاربة وأكبر من أن يستغلها حزب معين.
ثانيا: التحذير من تحوير النقاش حول موضوعات تهم المغاربة الى نقاش عقيم قد يهدد إستكمال الإنتقال الديمقراطي الناشئ ببلدنا وبالمناسبة أريد أن أثير ثلاث مداخل لوضع الإشكال في مكانه الطبيعي، أولها يجب إستيعاب حقيقة تغيب عند الكثير من العلمانيين العرب والمغاربة وعدم استيعاب هذه الحقيقة أدت الى الفشل والإنهيار الحاصل اليوم لأطروحة اليسار بالعالم العربي وبالمغرب، هذه الحقيقة هي أن عنصر الدين عنصر له اعتبار مهم اجتماعيا بالمغرب وفي العالم العربي عموما، والمدخل الثاني كون الحكومات ذات المرجعية الإسلامية وذات الشرعية الشعبية هي اليوم في إختبار في بيئة مجتمعية منتمية الى فضاء عربي إسلامي علاقته بالمنظومة الديمقراطية لم تحسم بعد فكرا وممارسة، فالنخب السياسية، التي تدبر الشأن العام اليوم لم تعلن عن منظومة قيمية مناقضة لمبادئ الديمقراطية وهذا هو الأساس.
لكن هي تركز على أن هذه العملية وجب أن تكون في تناسق مع قراءة متجددة ومستعملة للنص الديني (تصريحات بنكيران وسعد الدين العثماني وغيرهم ممن يحسبون على الإسلاميين بالمغرب)، ثم أنه ليس هناك نموذج ديمقراطي واحد يتوجب تطبيقه، بل هناك إتفاقا جماعيا حول أسلوب إدارة الدولة والمجتمع وأن إعتماد هذه النخب للديمقراطية كنظام حكم لايعني إنسياقها وراء فكرة النماذج الجاهزة، فبمقدورنا أن ننسج النموذج المنسجم مع خصوصية الشعب المغربي التي وضعت ثقتها في هذه الحكومات لأنه لاوجود لنمودج حكم ديمقراطي قابل للتطبيق في كل المجتمعات وهذا ما يجعل التباين قائما بين مجموعة من الأنظمة الغربية نفسها فنموذج فرنسا لا يحاكي نظام الحكم في ابريطانيا مثلا وبالتالي فنحن كمغاربة في عملية إنتاج جماعي لنموذجنا.
المدخل الثالث هواعتبار الديمقراطية هي حركة إصلاح وعملية بناء متواصلة تقوم على أساس الحلول الوسط وغياب النموذج المثال يمنح لنا إمكانية المحافظة على مقوماتنا الأساسية الحضارية من مؤسسات وثقافات وأعراف وتاريخ حضاري، خاصة في بلدنا حيث الجمع بين الملكية المستوعبة لمطالب التحول الديمقراطي والفاعلة فيه والديمقراطية الناشئة التي تترعرع وتنتج بالقرب من المغاربة.
وفي الأخير يجب عدم إلباس الإنتقال الديمقراطي لباس الدين والتغاضي على من يريد أن يسرق من الشباب أملهم في التغيير وواجبنا التاريخي جميعا أن نصطف الى كل الديمقراطيين من أجل العمل على تجدر مبدأ الشعب كمصدر للسلطات نصا وروحا وترسيخا لمبدأ المواطنة الكاملة والمتساوية الفعالة واعتبار المواطنة مصدر الحقوق ومناط الواجبات وإبراز مظاهرها من تكافؤ الفرص والمنافسة على تولي السلطة وتجسيد التعاقد المتجدد في المشاركة الفعالة للمواطنين ثقافة ونصا واعتبار حقوق الإنسان والمشترك الإنساني وفي النهاية: لا تخف سيدي الأمين العام على استغلال الدين فنحن أحرص على حماية مكتسباتنا التي دسترت ولا تحاك تجربة المغرب مع أي بلد أخر وحسبك اكتشاف حجم التطورات الهائلة التي شهدتها بلادنا ونحن فيها شركاء على المستويين النظري والعملي، في تبني قيم التعددية والديمقراطية وحقوق الإنسان وتوسيع حدود المرجعية لا لإرضاء أحد ولكن لأننا مجتمعات حية تتطور،فلا تضيعوا فرصة إعادة إدماجكم في المشهد السياسي دون فاتورة غالية مرة ثانية بحنين الى ماض ولى وطوي.
*نائبة برلمانية عضو الأمانة العامة لحزب العدالة والتنمية