14.04.02
بقلم: عبد الله حمودي
منذ الصيف الماضي دخلت مصر في مسلسل مجهول العوالم والعواقب.
أسفرت حركة الشعب المصري عن الإطاحة بالنظام السلطوي البغيض، وقيام أول تجربة ديمقراطية جديدة في البلاد.
بعد فترة وجيزة، خرجت الجماهير الشعبية في مظاهرات قوية نادت بتصحيح الاتجاهات والسياسات التي اعتمدها النظام الجديد. وعلى إثر ذلك، خرجت مظاهرات مضادة مؤطرة من طرف تنظيمات الإخوان، تساند الحكومة القائمة والرئيس المنتخب المنتميين إلى تلك التنظيمات.
ولئن كان التظاهر في الساحة الديمقراطية حقا مشروعا، فإنه كان هناك أيضا وعي بمخاطر الموقف، خاصة تلك التي تتعلق باحتمال قيام مواجهات عنيفة بين الصفين.
في تلك الظروف العصيبة تدخل الجيش المصري، وبعث ذلك التدخل بعض الاطمئنان في نفوس الكثير من سكان المنطقة، ومن بينهم كاتب هذه السطور. كان أملنا أن يرابط الجيش المصري بين الصفين ليدفع بمفاوضات مثمرة بين الجانبين، وفي أسوأ الأحوال أن يحث الرئيس المصري على الاستقالة نظرا لتنامي الضغط الشعبي، واجتنابا لانقسام حاد بين شرائح الشعب. وعلى كل حال، وكما فعل آخرون، كنت صرحت حينها بأن الانتخاب هو الوسيلة الوحيدة للتناوب على كرسي رئاسة الجمهورية، وأنه لا يمكن استبدال رئيس منتخب إلا برئيس منتخب.
لكن سرعان ما تحول تدخل الجيش المصري إلى انقلاب، وزعيم الانقلاب إلى حاكم فعلي بالقوة تحت ذريعة إعادة الأمن إلى البلاد ومحاربة الإرهاب. والحقيقة أن منطق الإرهاب يتجلى بشكل واضح أيضا في تحركات أجهزة الجيش والدولة. فكانت مذبحة رابعة، وهي جريمة شنعاء، ارتكبت في حق شريحة من المصريين، لا يتقبلها ضمير. وستبقى مسجلة في قائمة الخروقات الجسيمة لحقوق الإنسان إلى يوم يحاكم فيه مدبروها ومنفذوها، ويتم إنصاف الضحايا وذويهم.
إن حماية أمن البلاد، وحماية حقوق المواطنين شيء مشروع. ولكن ذلك لا يبرر القمع الممنهج والتقتيل، كما أنه لا يبرر تصنيف تنظيمات الإخوان في خانة الإرهاب ولا الوسائل التي تستعمل في القضاء عليها.
إن تلك الوسائل مرفوضة جملة وتفصيلا؛ وبكل المعايير. ومن هذه الوسائل المحاكمات الجماعية التي دشنتها الحكومة المصرية يوم الاثنين الماضي (24 مارس) بمحافظة المينيا: ثلاثة قضاة حكموا بالإعدام على 525 شخصا إثر جلستين لم تدم المداولات في كل منهما أكثر من ساعة!
نعم، يظهر أن الشرطة ألقت القبض على المتهمين خلال هجوم على مراكز الشرطة، قتل إثره شرطي، وكاد أن يذهب ضحيته شرطيان آخران. وكان منفذو هذا التحرك يساندون الرئيس مرسي بعد عزله. ويظهر أيضا، حسب المعلومات المنشورة، أن المتظاهرين اقتحموا كنائس وقاموا بأعمال تخريبية ضد المصريين المسيحيين.
ومع ذلك، فإنه لا محيد عن إعمال المسطرة القانونية التي تحمي حقوق المتضررين، كما تحمي حقوق الدفاع والمتهمين على حد سواء. لذلك فإن الحكم الجماعي المذكور يمثل خرقا جسيما آخر لحقوق المتهمين تتحمل الحكومة المصرية مسؤوليته كاملة.