سليمان العمراني
تحل يومه الثلاثاء 18 نونبر 2014 الذكرى 59 لاستقلال المغرب عن الاستعمار الفرنسي الذي كان الجواب العملي عن مقولة المفكر الجزائري عبد المالك بن نبي “القابلية للاستعمار”، إلا أن الإرادة الجماعية للمغاربة والتحامهم دولة وشعبا ونضالهم الذي قادوه على كل الجبهات لمدة ثلاث وأربعين سنة أثمر في النهاية وضع حد لنظام الحماية.
على مدى 59 سنة وبلادنا تشق طريقها على درب بناء الدولة وإنتاج التنمية، رغم ما شاب هذا المسار في مراحل مختلفة من تعثرات ونزاعات وارتدادات، إلا أن المؤكد أن المغاربة قد حسموا بشكل نهائي ثوابتهم الوطنية واختياراتهم الدستورية والديمقراطية، وأصبح النموذج المغربي اليوم ملهما لباقي تجارب الربيع الديمقراطي ومنارة مشعة ما تزال لها جاذبيتها التي لا تقاوَم، رغم سعي البعض للتشويش على إشعاع هذا النموذج والنيل من الصورة المشرقة العالمية التي بعثها، ويبقى الرهان اليوم وغدا هو منح الروح والمعنى لتلك الثوابت والاختيارات وإنتاج السياسات العمومية والقطاعية الكفيلة بمعالجة خصاص الماضي وإنتاج الأجوبة التنموية لانتظارات المغاربة، مع ما يقتضيه ذلك من تعزيز منطق التشارك والتعاون والتوافق والإيجابية ودرء عوامل التنازع والصراع المفضيين لذهاب الريح وإنهاك الذات.
غير أن ما يلح علينا اليوم أكثر ويدعو للتأمل بعد أن قطعنا نهائيا مع الاستعمار التقليدي، هو الحاجة إلى فك الارتباط مع باقي مظاهر التبعية التي ما تزال قائمة، ويبقى من أبرز تلك المظاهر ضرورة القطع النهائي مع منطق النموذج الفرنسي المستمر في الهيمنة على تشريعنا وقضائنا وتدبيرنا العمومي ويغذي ذلك عجزنا عن الفكاك عن اللغة الفرنسية التي تعتبر الحاملة أكثر لذلك النموذج، وهو النموذج الذي يعلم الجميع غرقه في “الشكلانية” المفرطة وولعه بالشكل على حساب الجوهر رغم الإمكانية المتاحة لنا أن نستلهم من المدرسة الإسلامية المقاصدية التي أغنى عطاءها العديد من الرواد والفقهاء المالكية والعلماء المغاربة.
فما يزال الإفراط في التشريع في مقابل التفريط في تفعيل التشريعات القائمة أحد عناصر العطب في بلدنا وما تزال معالجة القاضي الجالس لدعاوى المواطنين يحسم فيها الشكل وتضيع بسببها مصالح معتبرة وما يزال نظام بناء الإدارة العمومية لدينا تقليديا لم يستفد بعد من الأنماط الحديثة، لذلك فرهانات المرحلة تدعونا إلى أخذ مسافة من النموذج الفرنسي الراسخ في بيئتنا التشريعية والقضائية والإدارية وغيرها وفي مقابل ذلك الانفتاح على النموذج الأنجلوساكسوني والنموذج الأسيوي اللذان منحا الريادة في العالم للبلدان الحاضنة لهما واستلهام عناصر الخيرية فيهما لإغناء نموذجنا الوطني الذي يستمد قوته ومناعته من المقومات والثوابت الوطنية الراسخة، وذكرى عيد الاستقلال مناسبة لمقاربة سؤال حجم الفرص الضائعة في بلادنا بسبب ارتهاننا وتبعيتنا لنموذج تنحسر مساحته العالمية يوما بعد يوم..