[ After Header ] [ Desktop ]

[ After Header ] [ Desktop ]

[ after header ] [ Mobile ]

[ after header ] [ Mobile ]

العبودية السياسية

محمد عصام

أصدرت منظمة أسترالية تدعى “ولك فري”، وهي منظمة تعنى بالدفاع عن حقوق الانسان، تقريرا حول انتشار مظاهر العبودية في العالم، حيث كشفت أرقامها لسنة 2014 أن المغاربة الذين يعيشون وضعية ” العبودية” وصل عددهم 158400، معتمدة في إحصائها ذلك على رصد كل المظاهر السالبة للحرية في التصرف الذاتي للأشخاص، وبذلك فهي تدخل كل أصناف الاستغلال والمعاملة السيئة للبشر، أو الاستغلال الجنسي، أو العمل الشاق، أو الرق مقابل الديون, أو الزواج الإجباري ضمن مشمولات الرق الحديث.

ولأن كانت هذه الأرقام مخيفة بكل المقاييس، فإنها تحيل على منظومة من السلوكات الجمعية للإنسان المغربي والتي تؤشر على نوع من الانفصام الذي يخترق البنية الجماعية في بعديها السلوكي والثقافي، وتنتج مظاهر شاذة في السلوك قادرة على المزاوجة بين الشيء ونقيضه، حتى إننا يمكن أن نصف ذواتنا الجماعية بالموغلة في النفاق الاجتماعي والانفصام، وهذه هي الخلاصة التي يمكن أن تفسر لنا لماذا يعج مجتمعنا المفتوح الى حد الاختراق على كل أنواع المعرفة والمستهلك لكل الثقافات، بكل مظاهر التناقض رغم أن واجهة السلوك من تمدن وازياد نسب التمدرس والانفتاح على ثقافة حقوق الانسان وبناء مؤسساتي يحمي الحقوق والحريات، لا تسمح بالتعايش مع مظاهر سلب الحرية من أية جهة كانت وتحت أي مبرر كيفما كان.

إلا أن الذي لم يرصده التقرير هو السلوك السياسي للنخب وللمؤسسات الحزبية، فإذا كان من البديهي اعتبار الحزب كمؤسسة منتوجا تم استنابته في التربة المغربية بحكم الاحتكاك مع الآخر الوافد الحامل معه لقيم التقدم، وجوابا عن سؤال الذات في علاقتها مع الآخر المخالف، فهل فعلا استطاعت مؤسساتنا الحزبية لعب أدوارها الحقيقية في توفير أداة تكسب المواطن مناعته ضد الاستيلاب وترفع منسوب تمتعه بالحرية في مقاربة وضعه واختيار مصيره، أم أنها لم تستطع القطع مع الثقافة السابقة عن وجود الاحزاب والتي يمكن وصفها بثقافة الزاوية وعلاقة الشيخ بالمريد.

لا أريد أن أعطي جوابا على السؤال أعلاه، مادام أنه سيكون من باب شرح الواضحات الفاضحات، حيث لا يهمني في هذه المقاربة الوقوف على إشكالات التدبير الداخلي لمؤسساتنا الحزبية والذي راكمت فيه باستحقاق نكباتها المتوالية وهزائمها المستحقة، ومؤشر ذلك أن التأريخ للحزب بالمغرب هو تاريخ انشقاقات  بامتياز، بما يحمل ذلك من عدم القدرة على امتلاك جدارة تدبير الخلاف والحريات بمنطق التعايش وأسلوب الديموقراطية، لكن الأكبر من هذا كله هو السلوك الخارجي للنخب الحزبية مع مرتفقي هذه المؤسسات، خصوصا في مواسم الانتخابات وحصاد الاصوات، حيث تتفتق مواهب الكائنات الانتخابية التي تحتكر المشهد الحزبي عن أشكال غير محصورة من العبودية السياسية واستلاب الحرية في الاختيار بكل أنواع الغش والخديعة الممكنة، واحتكار دوائر كاملة باعتبارها مواطن نفوذ غير قابلة للتنافس أو تداول النخب، وفي بعض الأحيان يصل الأمر إلى درجة أن تلك الكائنات تستطيع أن تحول اتجاه التصويت إلى أي وجهة أو دكان ترحل اليه بعيدا عن الاقناع  والتعاقد البرنامجي.

إن اختراق الكائنات الانتخابية للمؤسسات الحزبية يمينا ويسارا جعل السياسة تتوارى الى الخلف وتفقد كل جاذبيتها في انتاج التوجهات العامة، وعوضها يتم استنبات شبكات العلاقات العامة ومقايضة الخدمات  التي لا تكون بالضرورة مشروعة بالولاء السياسي الذي يشبه عند التدقيق ” الرق السياسي”، وهو الأمر الوحيد الذي يفسر لنا امتلاك البعض القدرة على التحكم في الخرائط السياسية وصناعة التوجهات العامة. ولعل آخر مظاهر التحكم الذي ظن المغاربة  أنهم قد اجتثوها من فضائهم العام إثر موجة الربيع التي اجتاحت بلادنا قبل ثلاث سنوات مازالت تعاود الظهور بتجليات جديدة وتثبت قدرتها على التعايش والتكيف مع أي بيئة سياسية مادام الإشكال ليس قائما بالضرورة في مجال السياسة بل إنه يتعدى ذلك الى كونه إشكالا ثقافيا يخترق المجتمع أفقيا، وينتج أنماطا متعددة للعبودية لو وقف عليها التقرير المشار إليه في بداية هذا المقال لكان وضعنا محزنا للغاية.

شاهد أيضا
شارك برأيك

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.