محمد عصام
بعد أن استبشر المغاربة خيرا بهطول أمطار الرحمة على مختلف ربوع المملكة، وانتشت أسهم التفاؤل في دواخلهم، ها هم يضعون أيديهم على قلوبهم خشية أن تتحول تلك الرحمات إلى مهلكات، ويتبدد معها منسوب الفرح إلى حزن مقيم، وفعلا تحولت مناطق المملكة الجنوبية والجنوبية الشرقية إلى جزر غارقة في سيول لا متناهية من المياه، عجزت معها كل بنياتنا التحية ومنشئاتنا الفنية التي راكمناها عبر عقود من الكدح، ومن أموال دافعي الضرائب، عن احتواء القطر المنهمر من السماء بغزارة، فانقطعت الطرقات وحوصرت مناطق بكاملها خلف السيول الجارفة.
هذه الوضعية لم تمر دون أن نؤدي عنها فاتورة غالية من أرواح بنات وأبناء وطننا، تجاوزت العشرين من الضحايا، وهو رقم قابل للتجاوز في ظل شح المعلومات وشساعة المناطق المهددة بالفيضانات ووعرة المسالك بها، هذه الفاتورة الغالية على المستوى البشري والمكلفة ماديا تفرض علينا أن نتساءل عن المراقبة في إنجاز الاستثمارات العمومية ومسؤولية الإدارة في التتبع القبلي وأثناء الإنجاز وبعد التسلم للمشاريع التي تشرف عليها، صحيح أنه بين الفينة والأخرى نسمع خبرا عن إعفاء مسؤول أو متابعة آخر في ملف يتعلق بمشروع أو صفقة عمومية، ولكن يبدو أن هذه المقاربة مازالت محدودة الأثر، مما يستوجب فعلا استباقيا لحماية الاستثمار العمومي ضمانا لترتيب جدواه في حياة الناس ومعيشه بأفضل الطرق، قبل الحديث عن الزجر وترتيب العقوبات والجزاءات.
من جهة أخرى كشفت الوقائع الأليمة عن قصور كبير في التدخل القبلي لعديد من الجهات المعنية، فكم كانت ستكلف عملية وضع مراقبة في مناطق تقاطع الأنهار مع الطرقات في إقليم كلميم مثلا، الذي أودت السيول فيه بحياة ما يقارب العشرين فردا إلى حدود الساعة، مناطق التقاطع تلك المرشحة أن تكون نقطا سوداء معلومة لدى الإدارة، وكان يكفي رفع مستوى اليقظة لتجنب ما وقع، وفرض حواجز للمراقبة لمنع مرور العربات والأشخاص الذين لا يقدرون خطورة ذلك على حياتهم، ولكن في اعتقادي هناك نزوع عام يخترق مجتمعنا كما إداراتنا نحو التسويف وعدم التقدير الصائب للعواقب، يولد نوعا من الرتابة في تصور الأشياء والتعامل معها، يجعلنا لا نتخذ من الاجراءات ما يكفي حتى نصدم بهول كلفة الكوارث علينا.
الكارثة وقعت، وأسر مكلومة لا نملك لها إلا الدعاء بجميل الصبر، فهل يا ترى سيكون هذا الدرس كافيا أم أننا سنحتاج إلى مزيد من التوقيع بالدم في كراس دروسنا هذا؟ سؤال نتمنى أن لا يتأخر الجواب عنه بإجراءات حقيقية وتدابير عملية، مع تنويهنا بمبادرة وزير التجهيز الذي وقف في عين المكان ليتفقد وضع طريق تزي نتشكا بين مراكش وورززات، وزيارة الخلفي لمكان غرق أسرة بكاملها بإقليم كلميم، مع التنبيه الى ضرورة الحزم في التعامل مع المشرفين على بعض المشاريع التي تم إنجازها مؤخرا وكشفت الأمطار الأخيرة عيوبها نموذج قنطرة تلوين بإقليم تارودانت وغيرها.