الموقع
لقد مرت ثلاث سنوات على انتخابات 25 نونبر 2011، التي جسدت علامة فارقة في التاريخ السياسي للبلد، ليس فقط لكونها أول انتخابات تعقب إقرار دستور 2011 بما يمثله من استجابة استباقية وانصات جريء للتحولات التي يشهدها المشهد السياسي والشعبي للمغرب والذي لم يكن بعيدا عن تأثيرات المحيط الحبلى بالمتغيرات والمفتوحة على كل التحولات الممكنة بما فيها الأكثر قتامة وانسدادا، وليس كذلك من حيث نتائجها التي أحدثت عملية فرز كبيرة داخل المشهد وأعادت تشكيله بصورة تكاد تكون مفارقة وغير متوقعة، فلأول مرة في التاريخ السياسي للبلد يحصل حزب على صدارة الخريطة السياسية للأحزاب بنسبة 27 في المائة من المقاعد ويتخطى عتبة المليون من الأصوات، وأيضا ليس من حيث ما ترتب عن ذلك من نتائج وما أعقبها من تحالفات، أعادت عملية الفرز هذه المرة بمنطق المواقع وحسابات الاصطفافات .
أهمية الحدث تتجلى في كونه كان حلقة ضرورية وسطى، كان من المفروض المرور عبرها لجس النبض حول سلامة التدابير السابقة عنه من حيث جدواها، والتأكد من نجاعة الاختيارات التي تحكمت في صياغتها، لقد كانت انتخابات 25 نونبر مصيرية في الحكم بأن المغاربة قد اختاروا فعلا طريقتهم في التعاطي مع نسختهم في الحراك بمنطق لا غالب ولا مغلوب، وأن محطتي خطاب تاسع مارس ودستور فاتح يوليوز كانتا في حاجة لتأكيد مرجعيتهما لعملية التحول، وجدارتهما لقيادة مرحلة التأسيس لبناء مرحلة الانتقال نحو الديموقراطية، فجاءت محطة 25 نونبر لتحسم أي تردد يمكن أن تتلبس به عملية التحول تلك، وكانت مؤشراتها الرقمية ذات دلالة بالغة من حيث كون أرقام المشاركة تخطت منطقة الخطر بالنسبة لنسب العزوف، والذي كان بإمكانه أن يخدش جدارة عملية الانتقال ويشكك فيها.
لقد كانت المؤشرات قبل يوم 25 نونبر تقوي جبهة الصامتين وتجعلهم أغلبية غير قابلة للمنافسة، إلا أن النتائج جاءت على عكس ذلك، بما يمكن اعتباره نوعا من الاستفتاء على خيار التغيير الهادئ أو الثورة الصامتة التي مازال المغرب يعيش أطوارها إلى اليوم.
إن هذا التحول في اتجاهات الرأي العام ما كان ليحدث لولا وجود سببين رئيسين:
– مكانة المؤسسة الملكية لدى عموم المغاربة، والتي قادت التحولات التي شهدتها البلاد بشكل إرادي واستباقي، مما زاد حظوتها ومكانتها لدى الشعب المغربي.
– وجود فاعلين سياسيين لم تصب تقاسيم محياهم السياسي تجاعيد القبح التي تسببت للمواطن المغربي في إدمان الفرار والعزوف عن كل ما له علاقة بالسياسة، إننا نتحدث هنا عن استعادة جزء من الفاعلين السياسيين لثقة المواطن التي بددها الآخرون في سياقات سابقة، فالعدالة والتنمية عبر سلوك نخبه ونزاهة أطره ونظافة أيدي من باشروا الشأن العام من كوادره، بالإضافة الى سلامة البناء التنظيمي للحزب واحتكامه الى الآلية الديموقراطية في تصريف الخلافات، وإتاحة إمكان تداول النخب بشكل سلس، استطاع أن يهزم منطق التردد الذي كان يصب في خندق العزوف وأن يؤسس لعلاقة الثقة بين المواطن والنخب السياسية.
من جهة أخرى فإن 25 نونبر سيبقى يوما مشهودا انتصرت فيه إرادة التغيير على نوازع النكوص والارتداد، وستظل ذاكرة المشككين والمرتابين في قدرة هذا الشعب المغربي على حسن الاختيار تحتفظ بهذا التاريخ بكثير من الوجع والخيبة، وسيظل الشرفاء من أبناء هذا الوطن يحتفظون بذكرى جميلة لهذا اليوم بما يحمله من رسائل يمكن اختصارها في واحدة أساسية وهي “أن التغيير ممكن ومتاح للجميع” .