الموقع
في افتتاح اجتماع لجنة الاستثمارات المنعقدة قبل أيام والتي تدارست مشاريع تجاوز غلافها المالي 15,5 مليار درهم وتروم إحداث ما يفوق 4000 منصب شغل قار ومباشر، تحدث رئيس الحكومة عن أداء الإدارة في علاقتها مع المقاولة فقال:”إن أداء الإدارة فيما يخص تنفيذ الإصلاحات الهادفة إلى تحسين مناخ الأعمال وتسهيل حياة المقاولة وتبسيط المساطر والتعامل مع شكايات المستثمرين والبحث عن حلول لمشاكلهم لم يرق بعد إلى المستوى المطلوب”، وأكد على الإدارة أن ” تبذل مجهودا حتى يعطى لهذه القوانين( منها قانون الشراكة بين القطاعين العام والخاص وقانون مؤسسات الائتمان) حجمها الطبيعي ويكون لها الأثر المرتقب الحقيقي”.
وليست هذه المرة الأولى التي يشير فيها رئيس الحكومة إلى الخصاص في علاقة الإدارة بمحيطها المؤسساتي والشعبي، فقد سبق له أن عبر عن عدم ارتياحه من علاقة الإدارة بالمرتفقين في جلسة الأسئلة الشهرية المخصصة للسياسة العامة والمنعقدة بمجلس النواب يوم 26 يونيو 2013، كما اعترف في اجتماع سابق للمجلس الحكومي بحر سنة 2013 عن تواضع الأداء الحكومي فيما يتعلق بمحاربة الرشوة.
إن حديث رئيس الحكومة وبهذه اللغة الصريحة والمسؤولة عن بعض أعطاب الإدارة العمومية يدعونا اليوم أن نسائل مستوى ما بلغته علاقة إدارتنا بالمواطن والمقاولة، فقد تواترت الكتابات والتقارير بهذا الشأن، ومن آخرها التقرير السنوي لمؤسسة الوسيط برسم سنة 2013 الصادر في شتنبر الماضي والذي كشف العديد من الاختلالات في المرفق العام، حيث آخذ على الإدارة “ضعف تواصلها وتعاملها وعدم إعطائها العناية اللازمة للاستقبال”، وأورد أن استجابة الإدارة لشكايات المواطنين لم تتعد نسبة 18%( من أصل 9431 شكاية المتوصل بها).
إذا كان الفصل 89 من الدستور قد وضع الإدارة تحت تصرف الحكومة، بما يعنيه ذلك من أن الإدارة ينبغي أن تكون داعمة وأداة لتنفيذ البرنامج الحكومي وإنفاذ القوانين لا أن تعاكس إرادة الحكومة وتعمل لحساب غير حسابها، فإن الناظر اليوم في سلوك إدارتنا العمومية مع المواطن والمقاولة سيجد أن أداء الإدارة – كما قال رئيس الحكومة- لم يرق بعد إلى المستوى المطلوب. صحيح أن الحكومة أنجزت العديد من الإصلاحات للمرفق العام كان من أهمها تطبيق قاعدة الأجر مقابل العمل والتي أنهت الفوضى في علاقة الإدارة بمحيطها الخارجي وأعادت الاعتبار لمبدأ استمرار الخدمة العمومية، غير أن الرهان اليوم وقد تحقق هذا المبدأ أن يكتسب مضمونه الحقيقي ببذل الخدمة الضرورية لزبناء الإدارة والنظر بفعالية ومسؤولية ورحمة في شكاياتهم وتظلماتهم وعدم تركهم فريسة للذهاب والإياب بين الإدارات أو بين مقرات سكناهم وأبواب الوزارات وإقامات الوزراء، وغيرها من وجوه معاناة المرتفقين وأرباب المقاولات في ظل دستور أرسى منظومة متطورة من الحقوق وفي عهد حكومة جعلت شعار ” الدولة في خدمة المجتمع ” أحد رهاناتها المركزية..
إنه لا سبيل لمعالجة هذه الاختلالات دون استدعاء بعض الأدوات الإصلاحية ومنها:
معالجة التخلف الفظيع الذي عرفه ورش إرساء اللاتركيز الإداري، حيث إن المفارقة تبدو اليوم صارخة بين ورش الجهوية واللامركزية الذي يتقدم بخطى مرضية ومشجعة وبين الورش الأول الذي يسير سير السلحفاة، حيث إنه وبعد 6 سنوات من الخطاب الملكي للمسيرة الخضراء في 6 نونبر 2008 حين دعا جلالة الملك الحكومة إلى الإسراع ببلورة ميثاق وطني للاتركيز الإداري، فإن بلادنا لم تتقدم بعد أي خطوة في الاتجاه المطلوب. ذلك أن إرساء وضع متقدم للاتركيز الإداري سيمنح بلادنا إمكانا مؤسساتيا يؤهل إدارته المجالية لتعزيز القدرة على بناء علاقات قوية مع المرتفقين والمقاولين ويعفي الإدارة المركزية من ثقل مهام زائدة لتتفرغ لأدوارها الاستراتيجية.
في انتظار ذلك لا بد من التعجيل بتعميم نظام الشكاية الإلكترونية المعتمد في بعض الوزارات وتشجيع المواطنين على ذلك، وإسراع الحكومة بإحالة مشروع القانون الإطار المتعلق بميثاق المرافق العمومية على البرلمان تفعيلا للفصل 157 من الدستور.
إذا كانت الثقة هي الروح التي تسكن المرحلة السياسية التي تعيشها بلادنا منذ حراكها في 2011، ولتلك الثقة تجليات وعلامات، فإن أحد مساحات بناء الثقة هي علاقة الإدارة بالمرتفق والمقاول حيث تبدو الحصيلة في هذا الشأن متواضعة وتتأكد الحاجة اليوم إلى إبداع وسائل ناجعة لاستدراك الخصاص والتأخر واعتبار المتاح الزمني الذي ضاق..