لغو المعارضة

محمد عصام

قديما كان يقال:” من كثر لغطه، كثر غلطه”، وهو المثال الذي ينطبق بتمامه وكماله، مبنى ومعنى، على الوضع البئيس الذي تعيشه المعارضة هذه الأيام، وهي المعارضة التي يزداد بؤس حالها يوما عن يوم، رغم ما وفره لها الدستور الجديد من إمكانات، وما أتاحه لها من فرص، وما أناطه بها من مهام، وما خوله لها من موضع اعتباري غير مسبوق، إلا أن الأداء الشارد لهذه الأخيرة جعلها في وضع الميؤوس منه، جراء الجسم المثخن بالجراح التنظيمية التي تلقي بكلكلها على الأداء العام لتشكيلاتها، وتجعلها عاجزة عن الارتقاء تصورا وأداء الى مستوى الوثيقة الدستورية وما أقرته من مكاسب لصالحها. وهذا ما لا تخطئه العين في أي تقييم لأداء المعارضة طيلة ثلاث سنوات، تم فيها تجريب مختلف الاسلحة الممكنة والكائنة وحتى المستحيلة، لدرء عين المساوئ عن أدائها، وهي المتلبسة إصرارا بتضييع استحقاق جدارة انتمائها لوضع دستوري متقدم بكل إمكاناته ومكتسباته وتفويت اللحظة بكل رونقها وبهائها.

لن أقف عند كل “اللغط و الغلط” الذي راكمته المعارضة طيلة السنوات الثلاث الماضية من عمر التجربة الحكومية الحالية، بل سأتوقف عند آخر لحظات شرودها نهاية هذا الاسبوع الذي اتحفنا فيه بعض قادتها بحكايات موغلة في البلادة والبداءة، حتى وصل الأمر ببعضهم بعد مرور سنتين من مؤتمره الوطني أن يكشف للمغاربة سرا، ظل المسكين حبا وطواعية يخفيه، ويكابد حرارة الاحتفاظ به لنفسه، قابضا على جمر الكتمان لوحده، وهو المنذور بحكم موقعه ألا يتأخر ولو قليلا في كشف هكذا أسرار، خصوصا أنه كان متهما ومنذ اليوم الأول على تربعه على عرش إدارة حزبه العتيد، بأنه كان مدينا لجهات ما في وصوله الى حيث انتهت به “إرادات” من أوصلوه ذاك الموقع، أليس من جنس ” التخاريف” ما يلوكه اليوم زعيم حزب القوات الشعبية من تورط أصابع رئيس الحكومة أو أياديه أو أشياء أخرى لا يعلمها إلا هو، في محاولة صناعة خريطة مؤتمره العاشر، وإذا سلمنا باحتمال صحة الأمر فما الذي  ألجم الزعيم كل هذا الوقت ليكشف هذا السر الخطير؟؟ إننا نتأسف للبؤس الذي يصر البعض على إنتاجه كلما ضاقت عليهم مساحة مناورة خصومهم التنظيميين، في محاولة لتهريب النقاش التنظيمي، وتنفيس الأزمة الداخلية بخلق خصوم افتراضيين، والذين سيكون رئيس الحكومة أحسن من تقع عليه عين المعارضة الكليلة، فهو مسؤول بالضرورة عن كل شيء سيء في هذا البلد، من انحباس القطر الى فيوض النهر.

من جهة أخرى كان زميله المفضل في المعارضة ووريث إرث سي علال بلا جدارة، ينهي أسبوعه أمام شبيبته على وقع اكتشاف جديد، فلأول مرة يكتشف المسكين أن في المغرب تنظيما للدعوة، واجتهادا في السياسة اسمه العدل والاحسان، فتأخذه شهقة المفاجئة  ونشوة الكشف الى حد الهيام بالجماعة، وكأنها  ولدت لتوها، وكأنه وحزبه ليس مسؤولا عن ما واجهته طيلة سنوات ترأسه للحكومة  السابقة ومشاركته في بقية الحكومات، إنه إشكال حقيقي تطرحه مثل هذه التصريحات الموغلة في استبلاد المواطنين، واحتقار ذكائهم، مما يجعلنا نطرح سؤالا كبيرا عمن يخاطب هؤلاء الزعماء؟؟ إذا كان هذا الشعب المغربي بفضل ذكائه، واتساع مداركه، وتنوع العرض “المعلوماتي” وكثافته أمامه، قد تخطى ومنذ زمن بعيد مرحلة إمكان” استحماره” واستبلاده، وأنه غير قابل للترويض بأساليب المكر، وصناعة الدجل والفجور السياسي.

يمكن أن نقبل من المعارضة أي خطاب وإن لم نتفق على مضمونه وخلفياته، ولكن أبدا لا يمكن أن نتركها تعيث فسادا بعقول الناس، وإمعانا في احتقار ذكائهم، وإن كنا مطمئنين أن هذا النوع من المكر السيئ  والذي لا يحيق إلا بأهله، لا يمكن أن تنطلي رعونته، ولا أن تخدع مساحيقه الباهتة، الرأي العام الذي حرر قراره من التبعية لصناع الوهم الموغلين في انتاج الرداءة المقيتة. ولكننا في المقابل نهمس في آذان من يعنيهم الامر، أنهم يسيئون إلى وطن بكامله، والى شعب بكل أطيافه وألوانه، أما إساءتهم لأنفسهم فهي من المعلومات في السياسة بالضرورة يعرفها الصغير والكبير، ويكفي فيها ما جاء في الاثر:” إذا لم تستحي فاصنع ما شئت” .

شاهد أيضا
شارك برأيك

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.