خطاب التعمية عن التعيين في المناصب السامية

سليمان العمراني

تأبى بعض الجرائد التي لا تحترم نفسها بله أن تحترم القارئ، إلا أن تكرر أسطوانة مشروخة مفادها أن ”الحزب الأغلبي” – في إشارة إلى حزب العدالة والتنمية- تمكن من زرع عدد كبير من أعضائه في المناصب السامية في القطاعات التي يسيرها وزراؤه بل في قطاعات وزراء آخرين، وقد ترددنا في الرد على مثل هذه الخطابات لقناعتنا أن ملاحقتها سيلهينا وسيسقطنا في رهانهم، خصوصا إذا تمثلنا قول الشاعر:       
لو أن كل كلب عوى ألقمته حجرا  لأصبح الصخر مثقالا بدينار
لكن ارتأينا أن نجعلها مناسبة لنؤكد على المنهجية والروح اللذين يضبطان تدبير التعيين في المناصب العليا، انطلاقا من ثلاثة زوايا:

•    لا بد ابتداء من التمييز بين التعيين في المناصب العليا التي تحكمها مبادئ المساواة وتكافؤ الفرص والاستحقاق وبين التعيين في الدواوين الوزارية التي أسند المشرع الحق فيها للوزراء لاعتبارات ومحددات..
فإذا كانت الجريدة الحزبية المتخصصة في النظر بنظارتين سوداودين لا تفرق بين الأمرين لجهل ربما وهذا مستبعد أو لقصد وإصرار، فإن المهم أن هذا يكشف مستوى البعض والأهم أن نقول لهم إنكم لن تصمدوا في معركة إثبات جدارة نظام الحكامة الذي يحكم تدبيركم وتدبيرنا للتعيين في الوظائف والمناصب العليا بالقطاعات الحكومية، بل إن نمط التدبير في المجال الحكومي هو صدى للمنطق الذي يسود داخل أحزابنا، فالرأي العام يعلم من يعتمد المساطر الشفافة والديمقراطية في اختيار وزرائه وبرلمانييه ومنتخبيه المحليين والمرشحين من برلمانييه للأجهزة البرلمانية أو للمهام الديبلوماسية، والرأي العام يعلم من كانوا أعضاء في دواوين وزارية ثم أصبحوا موظفين عبر بوابة الريع وهم اليوم ألسنة حِدَادٌ على الحكومة، بل إن الرأي العام يعلم أيضا منهج تحكم بعض القياديين الحزبيين في قرارات التعيين لبعض المهام، ولنقلها بوضوح كيف بمن أتى به التحكم إلى منصة القيادة ألا يكون إلا متحكما..      

•    إن الحديث بلغة التعميم لا يفيد، ولنقلها لمن يلمزوننا بزرع الكثير من أعضائنا في المناصب السامية: هلا تفضلتم وأعلنتم كل أسمائهم والمناصب السامية التي تولوها؟ لماذا لا تعلنون للرأي العام- طالما أنكم متتبعون بهذه الدقة لكل التعيينات في المناصب العليا- كل التعيينات بأسماء أصحابها وألوانهم السياسية بمن فيهم المنتسبون لكم، حتى تتضح الرؤية ويهلك من هلك عن بينة..
لماذا لا تعترفون لهذه الحكومة أنه في عهدها تعلن الترشيحات سواء للمناصب السامية أو للوظائف العمومية بشفافية في مواقع إلكترونية وزارية عكس ما كان؟ لماذا لا تعترفون أن بعض وزراء هذه الحكومة يعهدون برئاسة لجان الانتقاء لشخصيات محايدة ومستقلة؟ لماذا لا تعترفون لهذه الحكومة بجرأتها على إعادة بعض المباريات الخاصة بالوظيفة العمومية التي شابتها بعض الاختلالات؟؟ لماذا؟؟ لماذا؟؟
لقد عانى أطرنا في المرحلة السابقة من التضييق والتهميش ما لم يعانيه غيرهم في هذه المرحلة، وكانت هذه المعاناة حتى من قبل بعض رؤسائنا في الجماعات الترابية حيث كانوا يجتهدون في دفع تهمة المحسوبية عنهم بإقصاء الأكفاء من حزبهم ويرحم الله الأخ عبد الله بها حين علم بهذا فما كان منه إلا أن قال” لا نقرب شخصا لانتمائه ولا نبعده لانتمائه”.  

•    إن منهج الشفافية الذي يحكم اليوم تدبير التعيين في المناصب السامية لمنهج بدون سابق، أملته المقتضيات الدستورية والقانونية وأيضا الإرادة السياسية لهذه الحكومة ووفاء الحزب الذي يقودها لما عليه العمل داخله مما لا ينكره المنصفون، لكن تقديرنا أن الحاجة لمضاعفة جرعة الشفافية في هذه التعيينات قائمة اليوم ليس لداعي الرد على المتخرصين الذين يحول الرمد في عيونهم دون إبصار الحقائق، بل لمزيد من مصالحة المواطن مع السياسة ولمزيد من التنزيل السليم للدستور ولمزيد من تخليق المرفق العام، وقد تكون إحدى أدوات تعزيز نظام الشفافية في هذه التعيينات هو استلهام منطق الصفقات العمومية بجعل جلسات المقابلة مع المرشحين للمناصب السامية مفتوحة لمن يجب من المراقبين، لأن ذلك أدعى لتعزيز سلطة المراقبة وتجويد الاختيارات، وإذا ما قُدِّر لبعض هذه الاختيارات ألا تسعف في وضع الشخص المناسب في المكان المناسب فإن السلطة المخولة للوزير بإعفاء من لم تثبت كفاءته من شأنها تصحيح أي خلل يرصد..

شاهد أيضا
شارك برأيك

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.