[ After Header ] [ Desktop ]

[ After Header ] [ Desktop ]

[ after header ] [ Mobile ]

[ after header ] [ Mobile ]

الاحزاب السياسية ولعنة “أرض الله الواسعة”

محمد عصام

بداية أود التأكيد، أننا وعن إرادة وطواعية، اخترنا النأي بأنفسنا في هذا المنبر عن كل السجالات والمناكفات ذات الطابع الداخلي لبقية الفرقاء السياسيين، واعتبرنا تلك الصراعات شأنا داخليا يهم أصحابه، بل إننا وبسبق الوعي الإرادي كنا وسنبقى ندافع عن وحدة التنظيمات لأن فرقتها وتشتتها يؤشران على ضعف المشهد برمته، ويعطيان صورة مغلوطة لما يجب أن يكون عليه حال الفرقاء لضخ جرعات مفيدة لعافية السياسة بهذا البلد، واستدامة المصالحة بينها وبين المواطنين، ولهذا كله لم تحملنا الخصومات المشروعة في السياسة للاقتيات من صراع هنا وهناك، واعتبرنا أي مجد موهوم يبنى على أنقاض أو رفات الآخرين مصيره إلى زوال بل هو السراب عينه الذي لا يذهب مخمصة ولا يشبع من جوع.

والآن ونحن نفتح موضوع الانشقاقات كظاهرة تكاد تكون لازمة للتاريخ السياسي للمغرب الحديث، حتى بات البعض يتحدث عن كون تاريخ الأحزاب السياسية بالمغرب هو تاريخ انشقاقات بامتياز، وإن كانت هذه الظاهرة محكومة بالسياقات التاريخية التي أنتجتها، وهي سياقات متحولة وغير مطردة طيلة المراحل التاريخية، ذلك أنه في مرحلة سابقة لا يمكن لعين المؤرخ والمتابع أن تخطئ  حضور الأطراف الخارجية في تفتيت البنية الحزبية في إطار صراع يستهدف الوجود في حد ذاته، إلا أنه اليوم ونحن نعيش على وقع الاضطرابات التنظيمية الممتدة والتي تخترق الجسد الحزبي العليل أصلا والمسكون بأوجاع التاريخ وكدمات حوادث السير التنظيمية والتي هي أساسا نتاج ضمور في ثقافة الديمقراطية ممارسة وتمثلا، وغياب المؤسسات في تدبير الخلافات واحتوائها بمنطق التوافق وبآليات الديموقراطية، لا يمكن أن نحمل الطرف الخارجي وحده مسؤولية العقم التنظيمي الذي حول التنظيمات السياسية إلى فضاءات جرداء، ما إن تنمو وتينع بعض الثمار فيها على ندرتها، حتى تنبري قيادات الزمن الرديء على منع سقيها واجتثاثها من أصولها، خوفا أو طمعا أو كلاهما معا حتى لا تنكشف عورتها التي تطفق بسترها بتجييش الأتباع وصناعة المريدين، عوض تملك الجرأة لمحاورة الرأي المخالف ومجابهة الفكرة بضدها والاحتكام الى المرجعيات وتحكيم المساطر والمؤسسات.

وفي متابعتنا للخلاف الذي دب في صفوف الاتحاد الاشتراكي والذي لا يخرج عن القاعدة التي بيّنا أركانها سابقها، نعتبر أن ” أرض الله واسعة” التي قذف بها الأستاذ عبد الرحمن اليوسفي في وجه معارضيه ذات خلاف عقب المؤتمر الوطني السادس للحزب، لعنة مازالت تلاحق هذا الحزب الذي يكن له المغاربة احتراما خاصا تقديرا لماضيه والفاتورة التي قدمها مناضلوه، وقدرا لا نرضاه له وإن اختلفت بنا سبل السياسة، وأجهز قائد زمن الرداءة عن آخر جرعات الكياسة، في تعامله مع أبناء الدار قبل رفقاء الجوار، ذلك أن ما قدمه الغاضبون أساسا لطلاقهم البائن مع الاتحاد والتي أجملها النائب عبد العالي دومو في ثلاث أسس: ضمان استقلالية القرار الحزبي ثم الحفاظ على نبل العمل السياسي انطلاقا من تخليق سلوك الفاعل السياسي، وأخيرا الحرص على هوية المشروع ” الديمقراطي الاشتراكي”، يمكن اعتباره مبررا ومشروعا، وإن كنت لا أتفق مع توجه الانشقاق من حيث المبدأ، فهل تمتلك بذلك هذه البادرة أسباب عيشها ومناط استدامة الحاجة إلى الأسئلة التي تحملها في ثنايا مشروعها؟

ولمحاولة الإجابة عن هذا السؤال، كثيرا ما يقذف البعض بنوع من التسرع بمقولات جاهزة تميل إلى التبسيط والاختصار، مفادها أن كل المحاولات التي انشقت وخرجت من رحم الاتحاد لم يكتب لها النجاح وبقيب هامشية أو محدودة في التأثير، وهذا إن كان صحيحا بالنسبة للانشقاقات التي أعقبت المؤتمر الوطني السادس للاتحاد، فإنها ليست صحيحة إذا استرجعنا تاريخ الاتحاد ذاته الذي كان بدوره حركة تصحيحية وفعلا “منشقا” او “انشقاقيا” داخل حزب الاستقلال وبعد ذلك داخل الاتحاد الوطني للقوات الشعبية؟ فما الذي جعل الانشقاق في هاتين المرحلتين يمتلك أسباب الحياة وبالتالي مكنه من ضخ الحياة في المشهد السياسي للبلد وخلق القيمة المضافة التي لا يمكن إنكارها إلا من طرف جاحد أو مكابر؟
ودون الدخول في تفاصيل اللحظتين التاريخيتين التي ولد من رحمهما الاتحاد الوطني للقوات الشعبية، وبعد ذلك الاتحاد الاشتراكي للقوات الشعبية، وتمايز السياقين، إلا أننا يمكن أن نخلص الى نتيجة أساسية مفادها أن الانشقاق إذا كان جوابا عن أسئلة حقيقية بعد استنفاذ السقف التنظيمي المتاح لها، يصير ذا فعالية ويكتب له النجاح بقدر وضوح الرؤية لدى أصحابه واستكمالهم العدة الفكرية والبشرية لإنجازه، وهذا ما يفيدنا به الدرس الاتحادي في لحظتيه السابقتين، حيث كان في الأولى جوابا عن سؤال الهوية وفي اللحظة الثانية جوابا عن سؤال الآلية أو المنهجية، وعليه فالتحدي المطروح اليوم أمام التجربة الحالية هو الإجابة عن سؤال من نكون؟ وكيف سنحقق تلك الكينونة؟

علاقة بما نحن فيه، حملت الأخبار والمنابر التي تقتات على فضل الموائد، خبر ما اسمته بالزلزال التنظيمي داخل العدالة والتنمية بالعيون، وذلك باستقالة أفواج من شباب الحزب والتحاقهم بغريمه حزب الاستقلال، وبعيدا عن الدخول في متاهات الأرقام والشخوص وغيرها من الهوامش التي لا تفيد النقاش الذي فتحناه من خلال هذا المقال، أقول وتأسيسا على كل ما سبق، أنه يكفي التحاق هؤلاء المنسحبين بغريم حزبهم وبتلك السرعة والإصرار، لنؤكد أن البوصلة لدى المنسحبين في هذه الحالة أصابها حول فادح، فبالأحرى أن يمتلك أصحابها القدرة على امتلاك بعض من تلك الأسئلة الحارقة التي قدمناها سابقا، وعليه نقول لمن بنى قصورا على رمال هذا ” الانسحاب” المتحركة، انتظروا مواسم الرياح المتقلبة فإن لديها الجواب اليقين الذي هو أصدق أنباء من الكتب، في غدوها ورواحها الحد بين الجد واللعب، و”ما بني على باطل فهو باطل”.

شاهد أيضا
شارك برأيك

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.