كلمة الموقع
ليس القصد من هذه المقالة التوقف عند مسيرة 8 مارس، فتلك مسيرة مضت لها ما كسبت وعليها ما اكتسبت، لا ينقص من أجور أصحابها ولا يزيد إلا على قدر نياتهم، فإنما الأعمال بالنيات ولكل سائر ما نوى، والمسيرة كانت مسيرات بقدر تعدد النيات وتنوع القصد والغايات، كما أننا لسنا معنيين هنا بالتنقيص في حجم ولا قدر من خرج، ولا أن ندخل في المخاصمة حول الأرقام وتعداد السواعد والأقدام، والحناجر والأفواه، الصادعة بالشعار أو تلك المقترفة لجريرة السب و” التعيار”، فتلك وظيفة لها أهلها، بقدر ما ينشينا أن يسترد الشارع عافيته كفضاء للتعبير عن وجهات النظر ما دعت الحاجة وما استطيع إلى ذلك سبيلا، ولن يضير في شيء أن يكون هذا الفصيل أو ذاك داعيا للخروج وامتطاء صهوة الحجاج، مادامت المحصلة ستكون في رصيد مصالحة المواطنين مع الشأن العام مشاركة واحتجاجا، رغم أن ما انكشف عقب المسيرة من شهادات تفضح أساليب الاحتيال والنصب في الحشد تعرضت له فئات ممن زج بهم في أتون “حرب” لا تعنيهم، و أن فئات – ودون الوقوع مرة أخرى في فخ النسب والأعداد- لا يدركون لحضورهم مغزى أو مبررا، ولكن لا ضير فإنا قد قدمنا لكلامنا أن لكل امرئ ما نوى، فمن كانت مسيرته للمرأة فقد نال شرف الموقف والمسير، ومن كانت مسيرته لحاجة في نفسه وغاية في سريرته، فالله والشعب والتاريخ لن يرحموه ولو بعد حين.
لقد كانت تصريحات الزعماء لوسائل الإعلام أثناء تقدمهم الصفوف رغم احتجاج من احتج من ذوي النيات المخالفة مادام لكل واحد الحق فيما نوى، واضحة الى درجة أنها تفقأ العيون في صراحتها الفاقعة اللون، وهم يعلنون ليس بالنوايا فقط ولكن بصريح العزم أن معركتهم ليست مع الفقر الذي يسكن ثنايا مغرب نساء العمق، وليست مع الميز القاطن على جهة التأبيد في ثقافة ذكورية تخترق المجتمع نخبا وشعبا، وليست مع المرض ولا الجهل ولا الاسترقاق الذي تكابده النساء كما الرجال وفي كل المواقع، وليست من أجل إقرار العدل في الولوج للسياسة تعبيرا ومشاركة وتدبيرا، بل العدو الأوحد وأم المعارك التي ما دونها ولا فوقها معركة، هي تصفية الحسابات السياسية، بعد الفشل في هزم رئيس الحكومة من داخل مؤسسات التدافع السياسي، وعبر آليات الحجة والحجة المضادة والاحتكام الى القوانين، فبعد أن عزَّت الحجة وانكشفت العورة، بدا لهؤلاء سلوك سبيل الحشد عن طريق استدعاء مواضيع من حجم المرأة لخلق اصطفافات هجينة وبكل الوسائل حتى الموغلة في تزييف المعارك والمتلبسة بجرم الاستدراج والاستغفال.
ومما يكشف أننا بصدد لحظة بناء تنسيق انتخابي يسابق الزمن لربح نقاط موهومة، وأن الايقاع بدأ في الارتفاع وأن القوم كانوا في حاجة إلى دعم يرفع معنوياتهم المهزومة أصلا جراء الانكسارات المتتالية، فكان لابد من الانتشاء ولو للحظة قصيرة بنوع من استعراض العضلات، فقد سارع القوم إلى عقد لقاء عقب المسيرة مباشرة ليخرجوا علينا ببيان شارد، يكشف بوضوح حقيقة سريرتهم المسكونة بفوبيا نجاح الحكومة والاصطفاف ضد الإصلاح الذي تباشره، معلنين موقفهم من النقاش حول استقلالية النيابة العامة عن سلطة وزير العدل، معتبرين ضمن مشمولات حججهم في الانتصار للاستقلال التام للنيابة العامة عن أي سلطة، بدعوى أن وزير العدل “واعتبارا لما تداوله الرأي العام الوطني من تدخلاته في توجيه النيابة العامة أثناء نظرها في ملفات معروضة على القضاء، بمنطق الانتقام من المخالفين، أو الدفاع عن الموالين، في تناقض تام مع معايير العدالة، التي تقوم على النزاهة وعدم التمييز بين أطرف العملية القضائية”، وهو الأمر الذي يكشف أن القوم وبكل بساطة لا يقبلون المحاسبة وأنهم غير مستعدين لتقديم الحساب، فالتمترس خلف دعوى الانتقائية التي يرمى بها وزير العدل، دعوى باطلة يراد بها باطل أكبر بل منكر أفضح، وهو الهروب من سؤال المحاسبة، فلو أن كل من شابت سيرته الانتدابية أو الوظيفية شبهة الفساد، احتمى بالقبائل السياسية واستجار بها، فمن سنحاسب؟ ومتى سيحاسب؟ بل ما فائدة الدستور وما جدوى الحراك الربيعي إذا كان الجميع يعلن الانتصار للإصلاح ومناهضة الفساد، ولا أحد يقبل أن يدفع ضريبة هذا الإصلاح، ويغلق بابه دون ولوج نسائمه الدكاكين والقبائل الآسن ماؤها النتن ريحها؟ ثم إنه من حقنا أن نطرح سؤالا عن التوقيت الذي اختير لإعلان هذا الموقف؟ خصوصا وأن النقاش المؤسساتي داخل مجلس النواب بلغ مرحلة تقديم التعديلات؟ هل أصحاب الإعلان لا يثقون في نوابهم إلى درجة وضعهم أمام الأمر الواقع وفرض الرأي الواحد عليهم؟ أم أن هناك رسالة مضمرة تريد أن تفهمنا أن البلاغ الصادر عن أحزاب المعارضة، هو هامش فقط على المتن الأصلي، الذي جسدته المسيرة، في رسالة استقواء بالشارع؟ ثم ما علاقة الأمرين بانسحاب المعارضة من لجنة الداخلية بمجلس النواب، ومن مناقشة القانون التنظيمي للجهات؟ هل يمكن اعتبار كل هذه الوقائع مجرد صدف من غير ميعاد؟ الأكيد أن المرأة ضاعت في كل هذه الحسابات، لذا قلنا ومنذ البداية إن الأمر بعيد من المرأة.. قريب بل موغل في السياسة.