[ After Header ] [ Desktop ]

[ After Header ] [ Desktop ]

[ after header ] [ Mobile ]

[ after header ] [ Mobile ]

السياسة والسفاهة

الموقع

ما زالت جلسة رئيس الحكومة في البرلمان تفعيلا لمقتضيات الفصل المائة من الدستور، تشكل امتحانا عسيرا للمعارضة في صيغتها المبتذلة الحالية، وما زالت وقائعها تكشف تهافت خطاب المعارضة ورداءة أدائها وعجزها المزمن عن تمثل اللحظة السياسية وتبوأ جدارة المكانة التي منحها إياها الدستور، فبعد المعارك الدونكتشوطية التي خاضتها هذه المعارضة منذ بداية هذا الاستحقاق الدستوري، والتي بدأت بمعركة المحاصصة الزمنية الخاسرة حتى قبل بدايتها، مرورا بمسرحية الانسحاب والمقاطعة التي أعقبها رجوع حسير وبدون تقديم مبررات أو دواعي التراجع المهزوم، وكأن هذه المعارضة في حل من كل التزام أخلاقي مع قواعدها قبل بقية الشعب المغربي، وكأن السياسة عند هؤلاء صارت من صنو “لعب الدراري” لا فاصل فيه بين الجد واللعب وبين الحلال والحرام، بين الالتزام والتحلل منه، وبعد هذه الرحلة السيزيفية والتي قضمت عمرا من زمن السياسة في هذا البلد، وأهدرت طاقات وأحرجت مؤسسات دستورية من حجم المجلس الدستوري ليعيد ترتيب الأحكام وفق ما تقتضيه الوثيقة الدستورية لا كما تشتهيه سفن المعارضة الجموحة المتحللة من كل منطق ،إلا ما كان من منطق ما أريكم إلا ما أرى وما أهديكم إلا سبيل الرشاد أو منطق ” ولو طارت معزة”.

 ثم انتقلت المعارضة بعد ذلك الى معركة إفراغ الجلسة من مضمونها الدستوري بإغراقها في مناقشة سياسات قطاعية عبر طرح أسئلة جزئية، يكون الهدف منها تفويت الفرصة على رئيس الحكومة لتسجيل النقط عليها، عبر قضم الوقت المخصص له وحرمانه من إمكان استثمار الحيز الزمني في تنكيئ جروحها المستعصية على العلاج، لكن خاب مسعاها وارتد سلاحها في خاصرتها، واستطاع رئيس الحكومة ولو تم حصاره بسيف الوقت أن يحشرها في الزاوية الضيقة، وأن يثقفها من الذراع الذي يوجعها، بتعريتها أمام المواطن الذي أصبحت الجلسات الشهرية جزء أساسيا من قوته السياسي، ومرآة تكشف الحضيض الذي استحلته المعارضة لنفسها.

مازلنا نتذكر الاحتجاج الفج على رئيس الحكومة على مخاطبته الشعب المغربي من خلال الجلسات الشهرية، وقلنا حينها أتريد معارضتنا أن تعود بنا الى زمن العمل السري ودهاليز الظلام، واستغربنا ومعنا كل المغاربة كلهم لماذا تصر المعارضة على معاكسة تعاقدات اللحظة السياسية وتتنكر للدستور نصا وروحا، وهو الذي دشن زمن تعميم المعلومة ورفعها الى مستوى الحق الدستوري الذي لا غبار عليه، في دعوتها المشينة بعدم مخاطبة الشعب، فمن سيخاطب رئيس حكومة انتخبه الشعب إذا لم يخاطب هذا الشعب؟ وما جدوى مجلس يمثل الشعب إذا لم يكن الشعب قصد فعله ومنتهى كسبه؟

اليوم وفي الجلسة الشهرية تصادر المعارضة حق المغاربة أجمعين وبكل صلف في تنزيل حق دستوري مؤكد، وتفتعل التشويش الذي وصل درجة غير مسبوقة في تاريخ الحياة النيابية الوطنية، حيث وقف المغاربة مشدوهين أمام صفير النواب كأنهم قاصرون في مدرجات ملعب يحتجون على حكم أو لاعب شارد، لقد كان المنظر صدمة قوية لكل متفائل من إمكان تعافي نخبنا المسكونة بالوهن والتخلف والعجز عن اقتحام أعتاب اللحظة السياسية، فدعونا نكن صرحاء ولنقل إنه من السفاهة بكل الإصرار المكابر أن تحولوا مؤسساتنا الدستورية إلى مصانع لإنتاج البذاءة والرداءة.

سفيه مكابر من أقحم لغة “الدواعش والنصرة والموساد” الى خطاب المحاججة السياسية، وأصر على افتضاض نقاء لحظة المساءلة السياسية التي يكفلها الدستور، وانحط الى حضيض الحضيض بشكل غير مسبوق اضحك علينا الامم.

سفيه من عارض كل خطوات الاصلاح – حتى لا تنسب لهذه الحكومة – في التحكم في عجز الميزانية، عبر تقليص تكاليف نفقة المقاصة والتي أعفت البلد من فاتورة  كان ممكنا أن تصل الى 100 مليار درهم في هذه السنوات الثلاث، ثم بعد هذا يتحدث عن المديونية وتقليص العجز.

سفيه من استل السيف من غمده مدعيا الحجاج عن الدستور ومتهما رئيس الحكومة بالتخلي عن صلاحيته، ثم يقيم الدنيا ولا يقعدها حين إصرار هذا الاخير على تحمل مسؤوليته في الاشراف على الانتخابات كجزء من سلطته التنظيمية وبمقتضى الدستور، وبعد ذلك يقيم الشكوى ويستدعي الفصل 19 من الدستور القديم في قصة غرام بليدة للجم رئيس الحكومة عن الكلام ذات استقبال بالديوان الملكي، والتعسف على الدستور الجديد من خلال قراءة أبلد للفصل42.

وسفيه أيضا الى درجة تقتضي الحجر، من يدعي أنه حريص على الزمن السياسي للمغاربة، بتنزيل استحقاقات الدستور في سقفها المحدد دستوريا، ثم يعطل مؤسسة التشريع ويفتعل المعارك الفارغة، هدرا للزمن التشريعي وهروبا من مواجهة الوقائع والحقائق بروح المسؤولية ورجولة المواقف.

وبعد هذا لنا ولكل المغاربة المصدومين من هذا الانحطاط أن نعلن وبكل حسرة والى أشعار آخر: إن زواج السياسة بالسفاهة قد اكتملت أركان زفافه غير السعيد بهذا البلد، والى أن يحين الطلاق المحمود المرغوب بعد حين غير معلوم، نقول لا حول ولا قوة إلا بالله 

 

شاهد أيضا
شارك برأيك

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.