الجهات والأمية

محمد عصام

صادق مجلس النواب على القانون التنظيمي المتعلق بالجهات بالإجماع، وهوما يعكس من جهة انخراط الحكومة في تنزيل المقتضيات الدستورية وإتمام البناء الدستوري عبر إخراج القوانين التنظيمية المكملة له، ومن جهة أخرى يؤشر هذا الاجماع على استحضار الفرقاء السياسيين لروح المسؤولية التي تقتضيها المرحلة خصوصا بعد الأزمة المفتعلة مباشرة بعد بداية النقاش المؤسساتي داخل لجنة الداخلية بمجلس النواب، حيث وصلت الأزمة درجة توقيف اللجنة وتعليق أشغالها ورفض رئيسها المنتمي للمعارضة استئناف أشغالها، واعتبرنا حينها أن المعارضة وقعت في جريرة غير مسبوقة بتعطيل مؤسسة دستورية، خصوصا وأن الدفوعات المعلنة لا تنهض للقيام بتبرير أو شرعنة هذا النزوع نحو التحكم وتعطيل المؤسسات، فما الذي تغير اليوم حتى وصلنا الى درجة الاجماع بصدد قانون تعارضت بشأنه المواقف وتباينت الإرادات؟

بداية لابد من التأكيد على أنه وفي كل العالم يحظى التشريع المتعلق بالانتخابات عموما بميزة خاصة، تجعله يبتعد عن أن يكون تشريعا عاديا يخضع فقط للمساطر المعمول بها في الإحالة والنقاش والتعديل والمصادقة بدرجاتها المختلفة، وإن كان لا يتنكر لها ولا يتعالى عنها، فهو مشمول ولو شكلا بتلك المساطر، لكنه أساسا خاضع للإرادات الجماعية لمختلف الفرقاء، والتي تجد في آلية التوافق متنفسا لها في تيسير تمرير مثل هذه القوانين، وإلا فإنه من المستحيل أن تحسم إرادة أحادية ولو تسلحت بأكثر أدوات الديمقراطية بأسا، وأشد الشرعيات وقعا، فالأغلبية العددية لن تسعف في مثل هذه الحالات لتحقيق مناط تنزيل القوانين الانتخابية، والتي تستلزم حدا أدنى من التوافق والبحث عن المساحات المتاحة لبناء اتفاق يرضي في حده الأدنى شركاء العملية الانتخابية، ومعلوم أن هذه المنهجية لضمان فعاليتها تقتضي تقديم تنازلات قد تكون مرة، وقد تبدو بدون استحضار الخصوصية المعبر عنها سابقا، نوعا من التراجع في أحسن الاحوال، إن لم نقل نوعا من الانفصام او الانتهازية السياسية.

واليوم وبعد هذا التمرين “التوافقي” بما له وما عليه، من حق المغاربة والذين قد لا يستوعب كثير منهم كل التعقيدات التي صاحبت الإفراج على القانون، أن يتساءلوا عن مسؤولية الأحزاب في تأبيد حالة العبث المزمنة التي لازمت اللعبة السياسية في شقها الانتخابي، من حق هؤلاء أن يحاكموا الأحزاب حين ستعميهم حمأة الصراع ” الانتخابوي” عن كل خطابات التخليق التي أغرقوا بها مسامعنا، وهم يتهافتون على “تبليص” الأعيان وسماسرة الانتخابات بغض النظر عن أهليتهم وجدارتهم بتلك المواقع علميا وأخلاقيا، ولن تغطي المناكفات السياسية التي انبعثت بعد أن قضي الأمر في الجلسة العامة وبالإجماع بتحميل هذا الطرف أو ذاك نواقص القانون خصوصا ما يتعلق باشتراط المستوى التعليمي في رؤساء الجهات بعد الاختصاصات الجديدة والخطيرة الموكولة لهم، عن الحقيقة التي ستجليها اللواحق من الايام، فعند الامتحان يعز الانسان أو يهان، ذلك أن ادعاء أي طرف الاصطفاف في خندق الانتصار للمعنى في السياسة والجدوى في الانتخابات، في أفق تنزيل مصالحة حقيقية بين السياسة والمواطنين، وسينكشف مع الأيام،  التي ستبدي من  يمتلك قراره إزاء “طواغيت” الانتخابات التي حولت الاحزاب الى رهائن طيعة لآلتها الانتخابية الساحقة والتي تمحق في طريقها كل معاني الالتزام وتبدد ما تبقى من نبل السياسة، ومن سيخلص لنبض اللحظة السياسية ومقتضيات دفتر تحملاتها المنتصرة للوطن، وفاء بما يستحقه و يستحقه ابناؤه من مؤسسات جديرة بتمثيله ومنتخبين أكفاء قادرين على ترجمة روح اللحظة الى إجراءات وتدابير ، على أي فإن ” موعدكم الصبح، أليس الصبح بقريب “

شاهد أيضا
شارك برأيك

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.