محمد عصام
لا يكون مرور رئيس الحكومة عبد الإله بن كيران، ضيفا على برنامج بلا حدود مرورا عاديا، فغالبا ما يخلف ذلك المرور حصادا من التعليقات وأنواعا مختلفة من تجليات التجاوب، إلا أنه في الغالب الأعم يتم اختزال التفاعل في بوليميك يوظف عادة لإفراغ ذلك المرور من رسائله، واختزاله في عناوين يكون القصد منها أساسا توقيع انزياح في الرأي العام، من خلال حجب مساحات كثيفة من المضامين والرسائل، والتركيز على “جزئية” يتم انتزاعها من سياقها ووضعها كعنوان تدار على أساسه حروب ومناكفات عقيمة الفائدة وموغلة في الاستبلاد، فقبل سنوات وتحديدا في بداية هذه التجربة الحكومية تم إفراغ حلقتين من برنامج بلا حدود من مضمونهما، مقابل تكثيف الايحاءات السلبية لمقولة رئيس الحكومة “عفا الله عما سلف” واجتثاتها من سياقاتها سواء تعلق الأمر بسياقها من بقية الكلام، أو سياقها الواقعي، وتم تحميلها بحمولات غاية في السلبية والقدح، وأديرت من خلالها أبشع المعارك تلبسا بالإثم والمكر والمزايدة السياسية.
لن ندخل في نقاش أسباب نزول “عفا الله عما سلف”، مادامت الوقائع والتي هي أصدق إنباء من الكتب، قد كشفت صواب هذا الاختيار في شقه التدبيري عبر عائدات الثمانية والعشرين مليارا التي حلت بردا وسلاما على خزينة الوطن، وأيضا ارتفاع منسوب المحاسبة وتكريس الحكامة من خلال الإحالات غير المسبوقة في تاريخ المغرب لتقارير المحاكم المالية على القضاء، وغيرها من الإجراءات التي تفند ادعاءات التصالح مع الفساد وعلى مختلف المستويات، والتي يدرك اليوم المواطن المغربي أهميتها ويلتقط بفاعلية معدومة النظير رسائلها، وهي التي تجعله في كثير من الأحيان يتقبل بعض التدابير الصعبة التي تفرضها الظرفية ويؤدي بصبر واحتساب فاتورة إصلاح يترقب ثماره على المستوى المتوسط والبعيد ولكن بثقة بالغة ويقين جازم، نتيجة تراكم رصيد المصداقية في حساب الحكومة ورئيسها، لكن الذي يهمنا في هذا المقال هل يستطيع أولئك المغرضون اليوم، وهم المهووسون بالاختزال الى درجة الابتذال، أن يستوعبوا عنوان ” حساب البقال” الذي أبدعه رئيس الحكومة في حلقة بلا حدود الأخيرة، ناهيك أن يجعلوه عنوانا يختزل مضمون الحلقة ويختصر رسائلها؟
إنهم بكل تأكيد لن يفعلوا، مادام العنوان يدينهم قبل غيرهم، ويكشف عوار حساباتهم المسكونة بالخديعة وضيق الأفق، ويجعلهم بمقتضى قاعدة ” العبرة بعموم اللفظ لا بخصوص السبب” هم المعنيين بحساب البقال مع الاحترام البالغ لهذه الطينة من المواطنين الجادين، فحساب المغرضين حساب ضيق الافق، تحكمه محددات الربح السريع، وتتوارى مصالح الوطن في قاع سحيق، حساب المغرضين يشبه حساب البقال في محدوديته وغرقه الإرادي في بركة الحسابات الضيقة والمنافع الجزئية، الآسن ماؤها، وهم يظنون أنهم في عباب لا يجرؤ عليه إلا من أتى الله بقلب سليم، وسلامة القلوب لا يؤتيها الله إلا من جعل من كلمة الوطن هي العليا ومن كلمة الأنا هي السفلى، سلامة القلوب تعني تجردا كاملا للوطن وفي سبيل الوطن. فهل يدرك من ابتلاه الله ببلية الحساب “الصغير” حتى قبل ان تبدأ هذه الحكومة في تنفيذ برامجها، وتربصوا لها في المنعرجات وفي جنح الليل، واستعملوا أحط الأدوات للنيل منها، واستحلوا الأعراض والوشاية من أجل أن يستقيم لهم الحساب، ولكن هيهات هيهات فقديما قال المغاربة “لي كيحسب إشيط ليه”