محمد عصام
مرة أخرى يسقط القناع عن الغرب مدعي الأستاذية في حقوق الإنسان واحترام الحريات، وتنكشف لمن لم يستطع إلى حدود الساعة فطم نفسه عن الوهم الزائف بأن مبتدأ ومنتهى احترام حقوق الإنسان بالضرورة التي لا تقبل الشك أو المِراء، غربي بلا شبيه ولا سابق ولا نظير، لقد تم تنميط فكرنا بشكل ممنهج حتى لم يعد هناك متسع لدينا لإعمال النقد المشروع حينا، والواجب في أحيان كثيرة لتمحيص عدد من القضايا التي صارت بفعل الإلف أو البلادة أو هما معا، من المسلمات التي لا تحتاج لبرهنة ولا تقبل تشكيكا أو افتحاصا لمنطلقاتها ولا لنتائجها، ومن أكبر تلك القضايا استحواذ الغرب جغرافيةً وثقافةً بالأبوة لثقافة حقوق الإنسان، واحتكاره الحديث عنها وتنصيب نفسه منافحا أو حدا عنها، وإعطائه الدروس فيها لبقية الأمم، مع العلم أن ما تحقق للإنسانية من مكاسب في ترسيخ حقوق الإنسان بني على التراكم وما الغرب إلا حلقة من حلقات هذا التراكم، قد تكون تلك الحلقة أساسية وذات قيمة مضافة مرتفعة ولكنها حتما لن تكون نهائية، ولن يعفيها تميزها ولا فرادتها من امتحان قياس الصدقية واختبار النوايا وتمحيص النظرية.
سبب نزول هذا الكلام القاسي، ليس من باب الاصطفاف الايديولوجي أو من باب الانحياز الهوياتي، بل هو وليد حادث اعتقال الصحفي المتميز أحمد منصور ببرلين، إحدى أهم عواصم الحرية في العالم الحديث، والتي لها رمزية بالغة في إسقاط الحائط الشهير المرتبط في الذاكرة الجماعية للإنسان الغربي بسطوة الفكر الأحادي و سياسة الحواجز بين الشعوب والأمم، لقد كان هذا الاعتقال إدانة لكل الرأسمال الرمزي الذي راكمه الغرب طيلة احتكاره التاريخي وبسبق الإصرار والترصد الحديث باسم حقوق الإنسان، وكشف بما لا يدع مجالا للشك أن تعامل الغرب مع كثير من القيم الإنسانية يشوبه غير قليل من الانتهازية وتحكمها عقلية نفعية فاقع لونها نتن ريحها، وهي عقلية على كل حال مكشوفة لكل ذي بصيرة ومنذ زمن غير يسير، يكفي أن نذكر هذا الغرب بماضيه الاستعماري لبقية الأمم ونهب خيراتها واستعباد شعوبها، فمن كان ماضيه هكذا لا يجوز أن ينصب نفسه محاميا عن الحرية منافحا عنها، ومن كان حاضره راعيا للحروب داعما للفوضى في بلدان الغير، حاضنا لأكبر سرطان عنصري في تاريخ البشرية على أرض الأقصى، لا يمكن أن يدعي لنفسه مجدا غير مستحق له.
وبدون الدخول في تفاصيل اعتقال أحمد منصور والسياق الذي جاء فيه، وهل له ارتباط بزيارة قائد الانقلاب في أرض الكنانة قبل أسبوعين لألمانيا، أم كان بطلب أو بضغط من الإدارة الأمريكية للحصول من احمد منصور على معلومات حول زيارته لمناطق جبهة النصرة في سوريا وقيامه في إطار عمله الصحفي بلقاء مع محمد الجولاني زعيم الجبهة، فكيف كما كان الحال فلا شيء يبرر الاعتقال خارج إطار القانون وهو ما كشفه قاضي التحقيق لأحمد منصور، الذي صرح عقب إطلاق سراحه بأن قاضي التحقيق أخبره بأنه لا يعلم مبررا ولا سندا واحدا لتواجده رهن الاعتقال، ولكن أخطر شيء هو كشف أحمد منصور، أن قرار الإفراج عنه كان قرارا إداريا صدر عقب اجتماع حكومي وليس قرارا قضائيا، مما يجعلنا ننتظر مفاجئات من العيار الثقيل سيفجرها منصور كما وعد في حلقة غد الأربعاء من برنامج “بلا حدود” التي سيحل عليه ولأول مرة ضيفا ومحاوَرا عوض أن يكون محاوِرا كما جرت العادة بذلك.