رسائل انتخابات المأجورين

محمد عصام

كشفت نتائج انتخابات ممثلي المأجورين المعلنة، عن استمرار تصدر المستقلين وحيازتهم ما مجموعه 49,79 في المائة متقدمين بفارق كبير عن أول نقابة والتي لم تحصل إلا على نسبة 17,67 في المائة، وهذا الفوز ليس استثنائيا أو جديدا بالنسبة للمشهد النقابي المغربي، حيث سبق للمستقلين أن تصدروا انتخابات 2009، وهو الأمر الذي لا يمكن قراءته إلا ضمن متن يوجد من بين مشمولاته، انزياح اتجاه التصويت في صفوف الشغيلة بشكل عام الى معاقبة النقابات، وأيضا اقتران التصويت بتقديم الخدمة النقابية في  الشق المتعلق بخدمات القرب، والتي ليست حكرا على المنتظمين النقابيين، والذين غالبا ما يعولون على العائد التنظيمي لفائدة النقابة والحزب في أحيان كثيرة كمقابل للخدمات النقابية المحتملة، مما يجعلنا نطمئن الى حد كبير أن اتجاهات التصويت تميل الى تثمين الخدمات التي يتم انتاجها بعيدا عن البحث عن العائد التنظيمي.

من جهة أخرى كشفت النتائج عن تقدم ملموس للاتحاد الوطني للشغل بالمغرب والتي حصلت على 7,36 في المائة من المقاعد بزيادة مقدرة عن آخر انتخابات مهنية، رغم تعرض النقابة لحملة ممنهجة انخرطت فيها أطياف مختلفة يوحدها العداء لحزب العدالة والتنمية والمعارضة للتجربة الحكومية التي يقودها، وهذا التقدم يمكن قراءته في الشق السياسي بكونه إجابة واضحة من طرف الشغيلة المغربية أو على الأقل طرفا مقدرا منها ومن الطبقات الوسطى، التي تم الترويج على أنها ضحية ما أسمته الآلة الإعلامية الرهيبة، بالقرارت “اللاشعبية والتفقيرية” للحكومة، مما يجعلنا نطمئن الى اعتبار هذه الفئات قد استطاعت أن تلتقط بقدرة هائلة سياقات القرارات التي اتخذتها الحكومة في ملفات معقدة تهربت منها الحكومات السابقة ولم تجرؤ على اتخاذها خوفا من فاتورتها المكلفة سياسيا، كما أنها استوعبت المآلات التي ترومها تلك القرارات، باعتبارها تستهدف إعادة التوازن التي تسببت في الإخلال به السياسات المتبعة سابقا، وأنها في المحصلة تروم إنقاذ الوطن بدل الحرص على العائد السياسي أو الانتخابي، من جهة أخرى شهدت هذه الانتخابات تراجعا لجل النقابات ماعدا نقابتي الاتحاد الوطني والاتحاد المغربي للشغل التي دخلت هذا النزال مدعومة بخدمات تيار العزوزي، وهي نقابات بنت خطابها على المعارضة التلقائية للحكومة وأغلبها له ارتباط بأحزاب المعارضة مما يؤكد الاستنتاج السابق حول فشل الدعاية المتمحورة على  تبخيس العمل الحكومي وأن السنوات الأربع للتدبير الحكومي لم تنل من شعبية الحكومة كما يريد لها خصومها، ويمكن من هنا فهم الخطوة التي أقدمت عليها النقابات في مقاطعة احتفالات فاتح ماي وتوجسها من عدم قدرتها للحشد والتعبئة للعيد العمالي، وهو ما اعتبرناه في حينه سابقة لم تجرأ عليها النقابات في عز سنوات الجمر والرصاص وانسداد افق الحوار بالمرة.

الملاحظة الأخيرة في قراءتنا هذه تتعلق بمصير الفدرالية التابعة لما تبقى من الاتحاد الاشتراكي، التي فقدت مكانتها ضمن النقابات الأكثر تمثيلية، بكل ما يعنيه ذلك الفقدان، ولا يهمنا هنا مقاربة الإفلاس الذي لازم المسار الأخير للقوات الشعبية إثر تولي القيادة الجديدة التدبير، ولكن الذي يهمنا في هذه القراءة هو التأكيد على أن الانشقاقات والتشرذمات مهما كانت مبرراتها لا تخدم الفاعل النقابي ولا السياسي، وتعمق جراحاتهم وترسخ لاجاذبية المنظمات النقابية والهيئات السياسية معا، وبالتالي فإنه أصبح لزاما خلق فضاءات حقيقة للنزال الديمقراطي داخلها وتوفير آليات تداول النخب في صفوفها، وتكريس الديمقراطية ثقافة وسلوكا وعبر مساطر ناظمة وواضحة. 

شاهد أيضا
شارك برأيك

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.